مثلث القلق/ جمانة غنيمات

مرّت أيام العيد بزخمها؛ حركة دائبة كثيفة، أنتجت حتماً ازدحامات على الطرقات. لكن على قدر الضيق الذي تسببه لنا هذه الأخيرة؛ فربما غضبنا وغالباً مللنا، إلا أنها ازدحامات تمثل، في الحقيقة، دليل صحة وعافية، فالفرح ما يزال ممكنا.

لهذا، يكون منطقيا القول إن الأردن بخير، وإننا ما نزال نعبر المرحلة تلو الأخرى بسلام، مسلحين بإرادة ورغبة قويتين في الحياة، تتفوقان على كل أمراض عشاق القتل والذبح والتدمير.

ولذلك أيضاً، فإنه حتى في جلساتهم، تختلف موضوعات الأردنيين عن غيرهم من شعوب المنطقة؛ إذ لسنا في حرب أهلية تنزف معها الأوطان، بل لدينا من الأمن ما يكفي لغرس الطمأنينة في القلوب.

كل ما سبق مهم. لكن ذلك لا يعني أن الأردنيين بلا هموم ولا أوجاع. فلا يلغي الواقع المستقر إلى حد بعيد، أن ثمة هواجس كثيرة كبيرة تطل برؤوسها عليهم.

أول الهموم التي تبقى حاضرة ولا تغيب، الحالة الاقتصادية بكل تشعباتها وأمراضها. وأخطر مظاهرها البطالة، لاسيما بين الشباب. إذ يبقى هذا وجع غالبية الأسر من دون مبالغة، في ظل الإحساس بالعجز أمام هذه المعضلة التي تنهش شبابنا، وتوجع الأسر التي تعاني أصلاً، في معظمها، محدودية المداخيل.

إحساس العاملين بعجزهم عن مواجهة ظروفهم الصعبة، وشعورهم بعدم الرضا عن كل ما يحيط بهم، مسألة باتت ظاهرة تعكسها الشكوى من الحال. وتزداد خطورة هذا الأمر مع تسيد يقين لدى شريحة واسعة بغياب العدالة والأفق نحو تحقيق ذلك، وبالتالي الإحساس بالضغينة تجاه الآخر.

هنا يبرز حضور الهم –الثاني- السياسي. فالمجتمع يلفّه اليأس من أداء الحكومات؛ التي فشلت في محاسبة الفاسدين، ووضع خطوات لمعالجة فعلية لهموم المواطن. إذ نجد الأردني فاقدا الأمل بالحكومات، وقدرتها على تغيير واقع الحال الصعب الناجم عن أسباب داخلية وأخرى خارجية تتعلق بأحوال الإقليم.

ولا تحتاج حوارا مطولا مع العديدين للتعرف على ما يمكن وصفه بقنوط الأردني من المجالس النيابية في المساعدة على تحسين الحال، أو حتى الاكتفاء باتخاذ مواقف محترمة بشأن كثير من القضايا المفصلية. هكذا، تعرف أن السلطة التشريعية ليس لها مكانة أفضل من تلك التي تحجزها الحكومة في أذهان الأردنيين.

أما الضلع الثالث بين هموم الأردنيين، فهو الإرهاب والتطرف اللذين جعلاهم أكثر حرصا على وطنهم، مع إدراكهم حجم الخطر الكبير المتأتي عن هذا التهديد. وتسمع تحليلات عسكرية، وأخرى جيوسياسية، من المواطنين. كما تواجه أسئلة متتالية، من قبيل: كيف صار هؤلاء الإرهابيون والمتطرفون بيننا؟ ومن أين جاؤوا؟ وفي الإجابة، تتعدد المقاربات والنظريات؛ بين نظرية المؤامرة التي ترى أن أجهزة مخابرات عالمية صنعت هذا التيار الظلامي لتكسر صورة الإسلام، وتحليل يقرأ أوضاعنا المحلية باعتبارها شكلت بيئة حاضنة لمثل هذه الفيروسات القاتلة. وكثيرة هي القصص عن أسر فقدت أبناءها باغتيال الإرهاب عقلهم ووعيهم، فغادروا فجأة إلى أحضان “داعش” في غفلة من الأم والأب والمجتمع.

بين البطالة والفقر والإرهاب، وأخطر من ذلك شعور بالظلم، وعدم ثقة بقدرة مؤسستي الحكومة والبرلمان خصوصاً على رأب الصدع، تتكون نفسية الأردني، الذي يدرك تهديد الإرهاب وخطره على حياته وقوته، لكنه يحتاج في آخر المطاف إلى عمل يكفيه شرور الأيام. وهنا تكمن النقطة الحرجة في ترتيب الأولويات؛ بين الإحساس والحاجات والرغبات، ما يجعل المسألة غاية في التعقيد.

المثلث السابق لا يدعو للتفاؤل، بل للحذر من تفاعل هذه المعطيات وتعدد انعكاساتها. وهو ما يوجب أساساً وابتداء، تقييماً أدق وأكثر عمقاً لأحوال الناس ومزاجهم.

Related posts

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات

العرس ديموقراطي والدعوة عامة!* بشار جرار

انشاء سوق طوعي لأرصدة الكربون قد يساعد شباب ريادة الأعمال على إيجاد فرص عمل* د. حازم الناصر