حنين الزعبي.. عيدا سعيدا/ عيسى الشعيبي

في البال قائمة طويلة من النساء الرائعات، وددت هذا الصباح تقديم أطيب التمنيات لهن بعيد الفطر. ولو كان في الوسع، وفي المتسع، لسميت كل واحدة باسمها، وشددت على أيديهن كلا على حدة، مباركاً بهذه المناسبة. إلا أنني آثرت أن أخص من بينهن حنين الزعبي وحدها بالاسم دون غيرها، وذلك بعد أن شاهدت هذه الشابة العربية الشجاعة في قاعة الكنيست تقف شامخة، وهي تتعرّض لإرهاب الدولة المنظم، حين تجاوز العنصريون حدود الإساءة اللفظية التي أحسب أن حنين اعتادت عليها، وكادوا يفتكون بالمرأة العربية الوحيدة في بيت “الديمقراطية الإسرائيلية” الوحيد في الشرق الأوسط.

كانت حنين تعرض، بالجرأة المميزة لخطابها، وجهة نظرها الثاقبة في الاتفاق المتعلق بعودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق عهدها، وراحت من على خشبة الكنيست تفكك مغزى البند الخاص بتعويض ضحايا الباخرة مرمرة (كانت حنين على متنها)، قائلة إن من سبق لحكومة إسرائيل أن قتلتهم بدم بارد، ووصفتهم بالإرهابيين، وفوق ذلك أنهم لا يستحقون التعويضات المالية، ها هي الحكومة اليمينية المتغطرسة ذاتها تعود عن غيّها، وتقر لهم بالحق القانوني على رؤوس الأشهاد، أي إنها تبرئهم بعد طول عناد من هذه التهمة، من دون ان ترى في نفسها قاتلاً مجرماً، ينبغي تقديمه للمحاكمة، جزاء ما اقترفت يداه من فعلة آثمة.

أماطت حنين الزعبي باستنتاجها المنطقي هذا، اللثام عن الوجوه القبيحة للأكثرية الكاثرة من أعضاء الكنيست، ممن راحوا يلوّحون بقبضاتهم نحوها، ويتبارون في التدافع نحوها (وهذه ليست الأولى)، للانقضاض عليها أمام عدسات المصورين، وذلك بعد أن أمسكتهم حنين بالدليل القاطع على ارتكاب تلك الجريمة. غير أن من جن جنونه، كان بنيامين نتنياهو، الذي طلب من مستشاره القانوني، علناً وبصورة رسمية، تكييف مادة تتيح له إخراج حنين من البرلمان الإسرائيلي نهائياً، وحرمانها من حق الترشح مستقبلاً، وإراحة دماغه من وجع الرأس الدائم الذي تتسبب به هذه المشاكسة.

ولا أحسب أن أحداً من بني قوم حنين الزعبي، على امتداد الجغرافيا العربية، تابع هذا المشهد المثير عبر الشاشة، إلا وانتابه شعور مختلط بالأسى والاعتزاز معا، ناهيك عن التضامن القلبي مع هذه الناصرية (ابنة الناصرة). وربما ساورت البعض رغبة في لو أنه يستطيع مد ذراعه طويلاً داخل التلفزيون، كي يشد على يدها الرقيقة بقوة، أو على الأقل أن يقول لها كلمة مشجعة، وهي تخوض تلك المواجهة غير المتكافئة. ولمّا كنت واحداً ممن لديهم منصة للقول، فقد حق عليّ واجب المبادرة، لتسديد جزء ضئيل من الدين الكبير المترتب علينا لهذه المرأة، التي تبدو كغزالة وحيدة في غابة، تصد بيديها العاريتين قطيعاً من الذئاب الجائعة.

أدرك أن حنين امرأة خلافية في مجالها المحلي العام، وأن خطابها الموجه للداخل الفلسطيني يثير الحفيظة أحياناً، لما ينطوي عليه من توظيف سياسي ذي بعد واحد، بين شقيّ الانقسام الكريه، قوامه معارضة السلطة الفلسطينية على طول الخط، بلا هوادة، وحتى بلا مناسبة في كثير من الأحيان. إلا أنني أدرك أيضاً أن كل أبناء شعبها على وجه العموم، يتجنبون انتقادها، وتحميلها فوق ما تحتمل من هجوم عنصري متواصل، إن لم نقل إنهم يتسامحون مع قسوة لغتها وحدة انفعالاتها، إدراكاً منهم لنقاء معدنها العروبي الخالص، وثقة منهم ببياض سريرتها الوطنية، وبالتالي تجنب التماهي مع الحملة الإسرائيلية الموجهة ضدها.

ويقيناً أن حنين محل احترام كامل وتقدير واسع من بنات وأبناء أمتها، داخل فلسطين وخارجها، رغم كل ما يمكن أن يؤخذ عليها من خروج عن النص، وميل جارف لفتح معارك جانبية صغيرة. وأحسب أن هذه الفلسطينية القوية، المثيرة للإعجاب على أعرض نطاق، هي موضع محبة واعتزاز، حتى من جانب من لا يتبنى خطابها الصارم تجاه مسائل وطنية مطروحة للنقاش الذي لا ينتهي. ولعل مواقفها الكاشفة لزيف ما يسمى بالديمقراطية الإسرائيلية، على مدى السنوات الطويلة الماضية، وصلابة روحها التي لم تنكسر في مواجهة الفاشيين وغطرسة المستوطنين، هي البرهان الساطع على أن الحق لا يضيع إذا كان وراءه مُطالِب.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري