برقيات الملقي السريعة/ جمانة غنيمات

في لقائه مع ممثلين للقطاع الخاص، يوم أمس، سعى رئيس الوزراء د. هاني الملقي، إلى إيصال إعلان صداقته ووده لهذا القطاع. وفي اللقاء الذي كان مقررا أن يستغرق ساعة ونصف الساعة، لكنه تجاوز الساعتين، حاول الرئيس أن يطرح، بصراحة شديدة، ما تيسر له من أفكار ومبادئ يؤمن بها.

الملقي الذي تحدّث في لقاء دعا إليه منتدى الاستراتيجيات الأردني، أظهر إدراكاً لدور القطاع الخاص الوطني في دعم وتنشيط الاقتصاد، وضمن ذلك حل مشكلات جوهرية مثل البطالة؛ فكانت الرسائل التي بعث بها باتجاهين. الأول، ما على الحكومة تقديمه للقطاع الخاص؛ من تشاور وإزالة للمعيقات التي تعترض عمله. والثاني، ما على القطاع الخاص تقديمه للوطن.

رصد تحركات الرئيس منذ تكليفه، وسماع آرائه بشأن العديد من القضايا، يولدان القناعة بوعيه لحجم التحديات، وأنه مقدر تماما للاختبار الذي تخضع له حكومته، بالتزامن مع طيب النوايا ونبل الهدف لديه؛ لكن تبقى العبرة في التنفيذ.

واهم من يظن أن الحكومة تستطيع، في فترة وجيزة، قلب الموازين، والقيام بمنجزات كبيرة وسريعة. لكن المدة القصيرة المقبلة من عمر الحكومة ستكون، أيضاً، مفيدة للجميع؛ إن تمكنت من إقناع الرأي العام بأنها وضعت الاقتصاد على الطريق الصحيحة، من خلال شراكة حقيقية، وليست نفعية، بين القطاعين العام والخاص.

وعمود نجاح هذه الشراكة، هو تشجيع الاستثمار ذي القيمة المضافة للاقتصاد. وهنا، بحسب الرئيس الملقي، فإن الاستثمار المطلوب هو الذي يساهم بشكل حقيقي في تشغيل الشباب الأردني؛ إذ ما فائدة قطاع، أيا كان، لا يوفر فرص عمل للأردنيين، وغالبية مدخلاته مستوردة، بحيث تقتصر منافعه، بشكل شبه كلي، على أصحاب هكذا استثمار فقط؟!

لدى الملقي تشخيص للمشكلات وإدراكه لتفاصيلها، وهذا ضرورة؛ لأن الحل فعلا لتوجيه الإنفاق وضبطه، يكمن في التفاصيل. كما أن تحفيز الاستثمار يحتاج إلى الخوض في تفاصيل الأسباب التي أدت إلى وجود بيئة طاردة لرؤوس الأموال.

البرقيات السريعة التي أرسلها الملقي، تتمثل أساساً في أنه من دعاة التنفيذ وليس التنظير ووضع الاستراتيجيات؛ وأن الشباب وتشغيلهم أولوية. ولذلك جاءت الإجراءات الحكومية الأحدث لخدمة إنجاز هذه الغاية الأخيرة؛ إذ إن القطاع العام لم يعد قادرا على توفير فرص العمل، وأهم من ذلك أن الوظيفة العامة لا تكفي مطلقا للحفاظ على الطبقة الوسطى.

ومع ازدحام أجندة الرئيس وبرنامجه اليومي، تبدو أفكاره أيضا متتالية وكثيرة ومتعددة، ربما لكبر حجم التحدي وصعوبة الاختبار. ويبدو الملقي مستجيبا لكثير من المقترحات، بما يمثل عبئاً كبيرا يضعه على عاتقه، كونه يرفع سقف التوقعات، ولتبرز من ثم المخاوف من عدم القدرة على التنفيذ؛ إنْ لضيق الوقت، أو نتيجة التعقيدات البيروقراطية التي يعرفها الملقي نفسه، لكنه يبدو مصراً أن لا تعيقه وتبطئ منجزه.

التقييم العام حتى اللحظة، هو أن الرئيس صادق، ونواياه نبيلة. ورغبته في إحداث منجز ملموس مسألة تظهر على ملامحه قبل أن يقولها. لكن الأمور في نهاية المطاف لا تقاس بالنوايا والأحاسيس، بل بإقناع الناس بالعمل الجاد الذي يعني أن ثمة شيئا يمكن تغييره في واقعهم الصعب.

وعلى الرئيس بعد أن ينتهي من زياراته المكوكية، وتقل حركته ويثبت برنامجه، الجلوس لتحديد الأولويات والهدف العريض، ويفرغ بعد ذلك للعمل على التفاصيل وتشوهاتها.

نظريا، ما صدر حتى اليوم من الرئيس يبعث برسالة إيجابية. لكن هذا الشعور لن يدوم اذا لم يترافق مع منجز واقعي على الأرض.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري