عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – هذه محاولة لتقديم برنامج عمل أولي , لبناء توافق فلسطيني فيه رؤية للدكتور سلام فياض , تستند الى خبرته من داخل مؤسسة العمل الفلسطينية في موقع متقدم شغله الدكتور فياض في حمله لحقائب وزارية , وفي توليه لرئاسة الوزراء في السلطة الفلسطينية لعدة سنوات . وفي أوضاع مختلفة عرفت المشاركة مع قوى سياسية أخرى كحماس ..
الدكتور فياض خاطب في ورقته أو مشروعه الاولى أعضاء جمعية الشؤون الدولية, بحضور رئيس الجمعية الدكتور عبد السلام المجالي وأمينها العام وأعضاء مجلس الإدارة وقد جرى نقاش واسع أثرى الحوار , الذي حضره ايضا شخصيات أردنية هامة من رؤوساء وزارات سابقين ..
فياض قال أنها محاولة أولية تستهدف الإلتقاء على الحد الأدنى من التصور الفلسطيني الذي طالب بإعادة إنتاجه واشتقاقه من الواقع , وليس استمرار وراثته كون الموروث لا يجيب على كثير من الأسئلة , ولا يقدم مشروعاً متكاملاً صالحاً للحوار بعد أن اغلقت اسرائيل باب التساؤلات الفلسطينية وأمعنت في مشروعها العدواني القائم على الاحتلال المكّرس بالاستيطان, وإنكار الحقوق الوطنية الفلسطينية ..
ويرى الدكتور فياض أن الفلسطينين لا يملكون الآن مشاريع بديلة من تلك المحاصرة أو المصادرة أو المتعطلة , وأنه لا بد من اجراء عمل توافقي يجتمع عليه الفلسطينيون لكسر الحلقة الجهنمية التي تبقى على الإنقسام ولا تبلّور, أو تحقق حق تقرير المصير, أو تأكيد الحقوق الوطنية الفلسطينية . ويرى أن ما وقع من خذلان وفشل في أوسلو وبعدها يجب الخروج منه , واستشراف وضع جديد يوضع له تصورات ويقدم فيه معطيات , ويرى أن الجهة الوحيدة القادرة على فعل شيء له علاقة بدعوة الفلسطينين في الداخل والخارج للالتقاء على الحد الأدنى , أو اعادة تجديد المشروع الفلسطيني بعد أن تعثر اوسلو , ومشروع اقامة الدولة الفلسطينية , هو شخص الرئيس أبو مازن , الذي يمكنه أن يفعل ذلك وأن على الجميع مطالبته بذلك وتشجيعه على ذلك وإلاّ فإن لا أحد في السلطة وخارجها من القوى الحزبية السياسية أو المعارضة قادر على انجاز ذلك .
كما يرى فياض المشروع الفلسطيني التقليدي الذي ظل يقوم على ردود الفعل أكثر منه على الفعل هي اسرائيل حتى القيادات الفلسطينية الفصائلية وغيرها من تلك التي غرقت في الموروث السياسي الفلسطيني وتجاذباته التاريخية المتاثرة بعوامل تغيرت واختفت وظهر غيرها دون ان يعيد الفلسطينيون النظر فيما يقولون ويطرحون ويطالبون, فهناك تباين شديد فيما كان مطروحاً في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي , وما هو مطروح اليوم , ومع ازدياد الواقع الذاتي والموضوعي للشعب الفلسطيني وازدياد التعقيد نتاج الانقسام الفلسطيني, وصعود اليمين الاسرائيلي مما ادى الى اقصاء القضية الفلسطينية عن موقعها , والاهتمام بها فان ذلك يتطلب الخروج من نفس الوضع وتكرار المحاولة الرئيسية الى قلب المعادلة وتغيير معطيات التعاطي بما يحفظ للقضية واستمرار امساكها بالحقوق الفلسطينية وعدم تمكين الطرف المنكر لها من النجاح في استمرار الإنكار او الانتصار..
بين يدينا ورقة الدكتور فياض وهي برسم المناقشة وطرح الاسئلة ويرى انها وصفة اولية ومحاولة للخروج الى فضاء ارحب حتى لا يظل العقل السياسي الرسمي الفلسطيني في الحصار..
هذه المقدمة إفترضت انني فهمتها من ورقة الدكتور فياض وقد يكون الفهم صائبا او قريبا او حتى بعيدا , فما ذلك الا محاولة تاركا للقارىء فهمها افضل من خلال قراءة الورقة ومقاربتها لمعرفته او لما هو مطروح على الساحة الان .
“نحو توافق فلسطيني على برنامج عمل مرحلي”
نص ورقة العمل مقدمة بقلم سلام فياض
تعرض هذه الورقة رؤيةٌ يمكن أن يساهم تبنيها في معالجة ما أعتبره أهم مكامن الضعف والقصور الذاتي في وجه التهديد الوجودي الحقيقي الذي تواجهه القضية الفلسطينية في المرحلة الراهنة، ألا وهو المتمثل في تجذر واستعصاء حالة التشرذم والتشظي التي اعترت، ولا تزال، النظام السياسي الفلسطيني منذ تسعة أعوام، والتي تعود في بدايتها إلى مطلع تسعينات القرن الماضي، حين تعددت الرؤى والاجتهادات بشان جوهر ومكونات ما اصطلح على تسميته منذ ذلك الحين بعملية السلام.
وقد أتى ذلك بعد فترة من التوافق على الساحة السياسية الفلسطينية بدأت بإعلان الاستقلال وإطلاق مشروع السلام الفلسطيني إبان ذروة الانتفاضة الاولى في عام 1988 . لا بل وربما أن لحظة إعلان الاستقلال مثلت محطة توافق فريدة من نوعها في تاريخ الشعب الفلسطيني،ً ليس فقط لأنها كانت حصيلٌة جهد استثنائي في بلورة الموقف الوطني في إطار مدعوم بقوة الشرعية الدولية، وإنما، وما هو أهم، لأنها لامست في الصميم وجدان الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، وعبرت عن الوعي الجمعي لهم بما مثل عصارة معاناتهم وتضحياٌتهم عبر مسيرتهم النضالية الطو يلٌة ممزوجة بوعد قرب الخلاص.
يمكن القول إن التوافق الذي حظي به بيان إعلان الإستقلال، والذي دام لفترة غير وجيزٌة، كان له، وبقوة دفع روح الإستنهاض الشعبي والوحدوي للإنتفاضة الأولى، أن يعمر أكثر لولا جاء التوقيع على أوسلو في عام 1993 ليفٌرط عقد التوافق الفلسطيني على رؤيةٌ سياٌسيةٌ موحدة، الأمر الذي لا زٌال قائماً ليومنا هذا،
وفيما أفرز أطول حقبة من التباين الجوهري في المواقف منذ عشرينات القرن الماضي .ليس هذا فحسب،وإنما، ما هو أكثر خطورة، أن الشرخ الذي وقع في ذلك العام تعمق ولا يزال يتعمق بمرور الزمن مع تبدد الامل في إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل في حزيران1967.
أمام هذا الواقع، والذي ازداد تعقيدا ً بشكل مضطرد على مدار العقد الفائت نتيجٌة لحالة الإنقسام والتشرذم التي ألمت بالنظام السياسي الفلسطيني وأضعفت أداء مختلف مكوناته، وأ يضٌاً تطورات إقليميةٌ ودولية اقصت القضية الفلسطينية ٌ عن دائرة الإهتمام المباشر على هذين الصعيدين، لا يبدو من المجدي الآن السعي لبلورة رؤية سياسية تحظى كافة مكوناتها بتوافق وطني تام، لا لجهة أسس ومنطلقات هذه الرؤيةٌ ولا لجهة الاليات والأدوات اللازمة لتنفذذٌها. وعليه وعوضاً عن الإستمرار في توخي السعي لتحقيق الأمثل، الأمر الذي، وللأسف، لم ينعكس لتاريخه سوى بالحديثٌ عنه والتبشير بمزاياه ، وبما أفضى إلى تدهور خطيرٌ في مكانة ومصداقية مختلف مكونات النظام السياسي الفلسطيني ،ً قد يكون من الضرورة بمكان المبادرة لبلورة برنامج سياسي يعبر عنه ليس بلغة حمالة أوجه، كما حصل سابقاً وتكراراً، وإنما بدرجة عالية من الوضوح والتحديد في إطار جامع ومتفق عليه لبرنامج عمل مرحلي لا يتطلب الشروع في تنفيذٌه الالتزام بعدم التخلي عن أي من مكوناته بعد انقضاء مهلته. وتحديداً، فإنني أقترح ما يلي:ً
أولاً: من منطلق الحرص على تبديد أي شك على الساحة الداخلية بشأن ما آل إليه موقف منظمة التحرير الفلسطينية فعلاً في ضوء ما اعترى مرجعيات “عملية السلام” من تآكل خطير بعد ما يزيد عن عقدين من فشل جولات متكررة من المفاوضات مع اسرائيل، وبما انعكس في تشكيل حالة من التوجس إزاء ما شاع من توقع بحتمية تقدم الفلسطينيين المزيد من التنازلات في إطار أية تسوية دائمة وفق إطار التفاوض القائم منذ عام 1993 ، يتم التاكيد من قبل المنظمة على التمسك التام بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني كما عرفتها الشرعية الدولية ، وفي مقدمتها الحق في عودة اللاجئين إلى ديارهم، والحق في تقرير المصير وفي دولة كاملة السيادة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة في عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. و يوفر
مثل هذا التأكيد، ودون احجاف (كما هو مبين تاليا) بموقف الأطراف الفلسطينية المعارضة حاليا لمفهوم حل الدولتين، أداة لتحقيق هدف مزدوج، يتمثل الشق الأول منه في إرسال رسالة واضحة مفادها أن لا استمرار في التفاوض على أساس النهج القائم، وإنما، وبما يقتضيه مبدأ الندية في التعامل، على أساس الإعتراف بحقوقنا الوطنية كمدخل لا يمكن القفز عنه. فالمبدأ المذكور لا يجيز تغليب الرواية التاريخية لجانب على حساب الرواية التاريخية للجانب الآخر، كما حصل، للأسف، في تصميم حجر الأساس في اتفاقيات أوسلو، والمتمثل فيما يشار إليه جزافاً “بالإعتراف المتبادل” لكونه نص صراحة على اعتراف منظمة التحرير “بحق دولة اسرائيل في الوجود بأمن وسلام” مقابل اعتراف اسرائيل فقط بتمثيل منظمة التحرير للفلسطينيين. وفي التباين الواضح في طبيعة هذ ين الإعترافين خلل جوهري لأن فيه تغليبا واضحاً للرواية التاريخية الإسرائيلية على حساب روايتنا التاريخية، وبالتالي انتقاصاً من حقوقنا الوطنية التي كفلتها الشرعية الدولية. هذا هو الأساس. ولكن، من جهة أخرى، فقد وضعت صيغة الإعتراف هذه الفلسطينيين منذ البداية، وحتى قبل الشروع في التفاوض على معايير الحل، ف موقف المتلق الذي يجب أن يكون ممتنا لأي فتات تلقيه إسرائيل تجاهه. ما هكذا صٌنع السلام، وهذا ما يجب أن يفهمه العالم، وفي الأساس قادة اسرائيل.
إذ كما د و ن محمود درو يش في “رسالة الشعب الفلسطيني”ً في الذكرى الثالثة والخمسين للنكبة: “لا سلام مع الاحتلال ولا سلام بين سادة وعبيد”. وفي هذا التوق يت بالذات، فإن لمثل هذه الرسالة قيمة إضافية تكمن في التأكيد على عدم تخلي الفلسطينيين عن مطلب السلام، وإنما عن رفضهم المطلق للاستكانة أو الاستسلام في وجه منطق القوة المتمثل في جبروت الإحتلال وطغيانه.
أما الشق الثاني للهدف من التأكيد على التمسك بحقوقنا الوطنية كافة، فيكمن في أنه يمثل مدخلاً هاماً للشروع الفوري في إنهاء حالة الإنقسام والتشظي في النظام السياسي الفلسطيني ،ً والتي على خلفية الفشل المتصل في إنهائها رغم الإدعاء المتكرر بضرورة ذلك، أضعفت القدرة الفلسطينية على السعي الفاعل لنيل الحقوق، وأفضت، في ظل التفشي المتعاظم للشعور ل يس فقط بالعجز وإنما بعدم توفر النية لطي صفحة الإنقسام، إلى تدهور غير مسبوق في مكانة النظام السياسي القائم برمته.
ثانيا: بالرغم من الإنشغال الآن في مقتضيات التعامل مع الوضع الناشىئ عن الإنتفاضة الحالية، لا بل من أجل أن تكون منطلقات هذا الإنشغال إيجابية لجهة الحرص على البناء السريع على القدرة التوحيدية للانتفاضة، يجب الشروع في اتخاذ إجراءات عاجلة كفيلٌة بوضع حد نهائي لحالة الإنقسام والتشظي في النظام السياسي الفلسطيني .ً و تٌطلب هذا بالضرورة البدء من العنوان الأكثر أهمية في الوقت الحاضر، ألا وهو غزة، والتي كانت دوماً رافعة المشروع الوطني وحامية الهوية الجمعية للوطنية الفلسطينية.
هذا هو الخياٌر الصحيح لسببين، وهما الحاجة الملحة للتعامل مع الأوضاع الإنسانية الكارثية في القطاع، وكذلك من منظور استراتيجي ،ً نظراً للحاجة إلى إعادة إدماج قطاع غزة في النظام السياسي الفلسطيني كشرط أساسي على درب السعي لنيل حقوقنا الوطنية .
تتطلب إعادة الإدماج هذه اتخاذ خطوات جادة نحو الشروع في إدارة التعددية الفلسطينية بطريقة ناجعة، فيما تٌعلق بمتطلبات إدارة الشأن الداخلي الفلسطيني والعلاقات الدولية، على حد سواء. وهذا بدوره يتطلب الدعوة لانعقاد وتفعيل الإطار القيادي المؤقت، والذي يطٌلق عليه مسمى “لجنة تفعيل وتطو ير منظمة التحرير الفلسطيني”، على وجه السرعة، وضمان تَمكُّن حكومة ممثلة لكافة مكونات الطيف السياسي من ممارسة صلاحياتها كاملة، وكذلك إعادة انعقاد المجلس التشريعي.
عبر تكليف الإطار القيادي المؤقت باتخاذ قراراته بشأن المسائل المتصلة بالمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني بصورة جماعية لتشكل أساساً للتعبير عنها من قبل منظمة التحرير الفلسطينيو، تضمن الفصائل من خارج منظمة التحرير، ودون القبول بالبرنامج السياسي للمنظمة، شراكة حقيقية في سعي الفلسطينيين.
لتحقيقٌ طموحاتهم الوطنية ، وفي ذات الوقت تتمكن المنظمة من الحفاظ على برنامجها وتمثيلٌها لكل الفلسطينييين . وبطبيعته، فإن هذا التدبيرٌ يمٌثل وضعاً انتقالياٌ لحينٌ إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطينٌي أو، إلى أن يتٌم ذلك، لحينٌ التوصل إلى صيغٌة توافقيةٌ بشأن توسيعٌ العضويةٌ في منظمة التحريرٌ وتعديلٌ برنامجها.
يجٌب أن تكلف الحكومة، المخولة بممارسة كامل الصلاحياٌت الممنوحة لها بموجب القانون الأساسي والمدعومة بمشاركة جميع الأطياف والقوى السياسية، بشكل أساس بالمهمة المزدوجة، لجهة إعمار غزة وإعادة توحيدٌ المؤسسات الفلسطينية والأطر القانونيةٌ في الضفة الغربية وغزة. و يجٌب أن يتٌم ذلك في ظل المساءلة الكاملة الت تتأتى بالانعقاد الفوري للمجلس التشريعيٌ ،ً والذي من شانه أيضٌاً أن يسٌهم بشكل مباشر كرافعة أساسيةٌ لمنظومة متكاملة من الحكم الرشيدٌ والإدارة السليمٌة.
وأما بشأن أولوباٌت العمل، فأرى أن تقتصر مداولات الإطار القياٌدي المؤقت في المراحل الأولى لانعقاده على الحاجة لإنجاز الاجندة الوطنية الداخلية، خاصة في مٌا يتٌعلق بتكثيفٌ الجهد لتوفيرٌ مقومات صمود شعبنا، وخاصة في القدس، وإعادة إعمار قطاع غزة وتوحيدٌ المؤسسات والأطر القانونية والتنظيمية بعد تسع سنوات من الإنفصال. ولكن، من المنطق أن يكٌون هنالك تزامن بينٌ المهلة اللازمة لإنجاز هاتينٌ المهمتينٌ الرئيسيتين وبين مهلة ما يمٌكن التوافق فلسطينياً عليهٌ بشأن موضوع الهدنة مع إسرائيلٌ الذي تم التداول بشأنه من حين لآخر منذ العدوان الإسرائيلي الأخيرٌ على قطاع غزة، وبما يمٌهد لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يحٌدد سقفاً زمنياً مإكداً لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي بنهاية مدة الهدنة.
إذا أخذنا هذه الإجراءات ككل متكامل، إضافة إلى التزام قطع بتنظيمٌ انتخابات حرة ونزيهٌة وتضم الجميع في أجل لا يتٌجاوز ستة أشهر قبل نهايةٌ المدة المذكورة أعلاه، فإن من شأن ذلك أن يمٌثل خطوة حاسمة في تحقيقٌ التمكينٌ الذات الفلسطينيً وهذه الخطوة يمٌكن أن تكتسب قدرة تحوليةٌ كافيةٌ في اتجاه البدء في معالجة بعض مكامن الضعف الأساسيةٌ المتأصلة في النهج الذي تم اعتماده في التعامل مع اسرائيل في إطار اتفاقياٌت أوسلو، وخاصة في مٌا يتٌعلق بمسألة التمثيل الفلسطيني في ضوء تعاظم مكانة فصائل سياسية غير ممثلة بعد في منظمة التحريرٌ. وبالإضافة لذلك، فإن من شأن الإلتزام الجاد بإجراء انتخابات عامة، وفي هذه المرحلة بالذات، ارسال رسالة هامة لشباب فلسطينٌ بشأن الحرص على إشراكهم الفاعل في صنع القرار، وخاصة بعد انقضاء عقد من الزمن منذ إجراء انتخابات عامة وما نتج عن ذلك من تهميش لدور قطاع الشباب وربما أيضٌاً لتفشي شعور واسع بالإغتراب في أوساط هذا المكون الهام من مكونات مجتمعنا.
لكن حتى تتحقق تلك الإمكانيةٌ، يجٌب عدم الإلتفات لاستمرار بعض مكونات المجتمع الدول في الإصرارعلى التطبيق التام لما يسٌمى بمبادىء اللجنة الرباعية، والمتمثلة أساساً في توقع التزام أية حكومة فلسطينيةٌ باتفاقياٌت أوسلو، علم اً بأن المقابل المفهومي لهذه المبادئ في الجانب الاسرائيلي ،ً أي قبول حق الفلسطينيين في قيام دولة مستقلة، لم يتٌم أبداً توقعه رسميا من قبل المجتمع الدولي من الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ أوسلو. مرة أخرى، هنا ا يضٌاً يجٌب الإحتكام لمبدأ الندية في التعامل. إذ لا يجٌوز القبول بواقع يقٌضي بالتزام كافة مكونات النظام السياٌسي الفلسطيني بأمر لا يوٌافق عليهٌ حتى مجرد عضو واحد في الحكومة الاسرائيلية. ومن من قادة اسرائيل يدعي بخلاف ذلك، أو يزعم أنه موافق على مفهوم حل الدولتينٌ، عليه أن يوٌضح، خاصة في ضوء ما هو معلوم جيدٌاً عن جوهر الرؤيةٌ الاسرائيلية، أن ما يقٌصده بالفعل ليسٌ دولة مسخ أو فتات.
بطبيعٌة الحال، لا يمٌكن تجاهل الحاجة للنقاش بعمق في موضوع البرنامج الحالي والمستقبلي لمنظمة التحريرٌ، علماً بأن هنالك نقطة خلاف جوهر يةٌ تقع في صلب البرنامج الحالي ،ً ألا وهي تلك التي تتمحور حول مفهوم حل الدولتينٌ من أساسه، والتي اكتسبت أهم يةٌ بارزة بعد التوقيع ٌ على اتفاقياٌت أوسلو، وعلى نحو متعاظم بسبب فشل الرهان على إمكانيةٌ اطار أوسلو انجاز دولة فلسطينٌيةٌ مستقلة بحلول نهايةٌ الفترة الإنتقاليةٌ، والتضاؤل المضطرد منذئذ، تحت وطأة المشروع الإستعماري الإستيطٌاني وانتهاكات الإحتلال الأخرى، في الإعتقاد بإمكانيةٌ قياٌم هذه الدولة. وللتعامل مع هذه المسؤلة الجوهريةٌ، ليسٌ من المستحسن إطلاقاً اللجوء إلى صياٌغات مبهمة أو حمالة أوجه. بل يجٌب الإقرار بجوهريةٌ ومشروعيةٌ الخلاف، ولكن أ يضٌاً بصعوبة حسمه بالسرعة المطلوبة. وعليهٌ، قد يكٌون من المناسب اعتماد نهج يقٌضي بإرجاء البت في هذه المسألة إلى أجل مسمى، وتحديدٌاً إلى أجل مسقوف بنهايةٌ مهلة الهدنة المشار إليهٌا أعلاه، والمتزامنة أيضٌاً مع الموعد الأقصى لإنهاء الإحتلال. ومما يعٌزز القناعة بإمكانيةٌ التوافق على هذا النهج، ما سبق ذكره بشأن التؤكيدٌ على الإقرار بالحقوق الوطنيةٌ للشعب الفلسطيني ،ً بما فيهٌا الحق في دولة كاملة السياٌدة على كامل الأرض الفلسطينٌيةٌ المحتلة منذ عام 1667 وعاصمتها القدس الشرقيةٌ، كمدخل لأيةٌ عمليةٌ سياٌسيةٌ مستقبليةٌ مع اسرائيل. فلم الخلاف اليوٌم، وبما يعٌيقٌ المسيرٌة الوطنيةٌ، على أمر لن يكٌون خلافياًٌ إن لم تلتزم إسرائيلٌ بهذا المتطلب، أو يمٌكن البت فيهٌ إن حصل والتزمت؟
ثالثاً: بالتوازي مع كل ما ذكر آنفاً، لا ينٌبغي التوقف، ولو للحظة، عن الإنخراط التام، وعلى كل المستويات الرسمية والأهليةٌ والشعبيةٌ، في دحر الإحتلال وبسط واقع الدولة الفلسطينية على الأرض بالرغم من الإحتلال وعلى درب إنهائه. ويعٌني هذا بالضرورة تركيزٌ الجهود على تعزيزٌ القدرة على البقاء المقاوِم في وجه الإحتلال وممارساته، وخاصة في القدس والمناطق المسماة “ج”، بما فيهٌا الأغوار. وبالإضافة للمنطق الذي لا يحٌتاج إلى الكثيرٌ من البياٌن بهذا الشأن لكونه ليسٌ إلا ترجمة عمليةٌ لشعار الصمود الذي تٌبناه الفلسطينٌيوٌن كافة، فإن فيهٌ أيضٌاً تنفيذٌاً لمطلب الإنعتاق من أوسلو التي قضت باستثناء القدس من النشاط الرسمي للسلطة الوطنيةٌ وبقيوٌد مكبلة جداً تصل إلى منع نشاطها ف حوالي 60 بالمية من مساحة الضفة الغربيةٌ، بما يشٌمل منطقة الأغوار.
وكذلك، فإن الإنخراط في بسط واقع الدولة وتجسيدٌها على الارض يمٌثل في جوهره، وكمكون أساسي لرؤيةةٌ سياسية متكاملة، جهداً حقيقيٌاً لإذكاء روح المشاركة الشعبيةٌ في استنهاض القدرات الذاتيةٌ وتسخيرٌها لدعم البقاء الفلسطينيٌ المقاوم على أرض فلسطينٌ وصولاً إلى دولة المؤسسات وسياٌدة القانون، دولة احترام الفكر والمعتقد، دولة ديمٌوقراطيةٌ تزهو بتعدديتٌها و سٌودها العدل وتكافؤ الفرص، دولة تحرص على كرامة مواطنيهٌا و يصٌون دستورها الحرياٌت و الحقوق الفرديةٌ والجماعيةٌ وتتكيفٌ أنظمتها وقوانينها وفق المستجدات ومتطلبات الحداثة، دولة عصريةٌ تطلق العنان لإعمال العقل والإبداع و التميز، وتوفر الرعايةٌ والحمايةٌ لفئات المجتمع الأقل حظاً.
وأخيرٌاً وليسٌ آخراً، لابد، على درب بسط واقع الدولة وتجسيدٌها على الأرض، من الحرص على المثابرة، وبكل عزيمٌة وإصرار، على مراكمة الإنجازات والبناء عليهٌا، وبما يشٌمل الإستفادة من رفع مكانة عضويةٌ فلسطينٌ في الأمم المتحدة ليسٌ فقط على الصعيدٌ الخارجي ،ً على أهميةٌ ذلك، وإنما أيضٌاً على أرض فلسطين نفسها بالتصرف بمنطق الدولة، من وحي القيمٌ الساميةٌ المشار إليها ، والتي يتٌوقع أن يسٌاهم التأكيدٌ عليهٌا، وفي هذا الظرف بالذات، في إعادة قضيةٌ فلسطينٌ إلى دائرة الاهتمام الدولي من منطلق اعتبار حلها العادل جزءاً من الرد طويلٌ المدى على “النزعة الرفضويةٌ” الناجمة عن حالة الحرمان والتهميشٌ واليأٌس التي طالما شكلت وريدٌاً مغذياً للتطرف في المنطقة. كما أن بسط واقع الدولة يمٌلي السعي الحثيثٌ لفرض وجود مؤسسات الدولة في كافة ارجاء الوطن ودونما اي اعتبار للتصنيفٌات المجحفة التي ولى زمنها حتى قبل انقضاء حقبة اوسلو الإنتقاليةٌ. فهذا حق. وهو أيضٌاً واجب في كل الظروف، ولكنه بات ملحاً في مجال الأمن لتوفيرٌ الحمايةٌ اللازمة لمواطنينٌا في وجه همجيةٌ المستوطنينٌ الإسرائيليين وإرهابهم، وبما يشٌمل بشكل رئيسي نشر قوات الأمن الفلسطينٌيةٌ في كافة التجمعات السكانيةٌ الفلسطينٌيةٌ بمعزل عن تصنيفٌات اوسلو. ولعل في مثل هذا الإجراء، في هذا التوقيتٌ بالذات وعلى خلفيةٌ الشك والتشكيكٌ بمصيرٌ كياٌننا الوطني ووحدة حالنا، أيضٌاً رسالة أخرى في منتهى الأهميةٌ مفادها “إنا هنا باقون”.
تأسيساً على ما سبق، ألخص تالياً العناصر الأساسيةٌ لمكونات برنامج إجماع وطني مرحلي حٌقق الشراكة الكاملة في تحمل المسؤوليةٌ على صعيدٌي التمثيلٌ الفلسطينٌي وإدارة الشأن الداخلي ،ً وذلك من خلال السعي لتوظيفٌ التعدديةٌ السياٌسيةٌ لا لتغيبٌٌها، وتحديدٌاً من خلال المحافظة على ما نجحت منظمة التحريرٌ الفلسطنٌيةٌ في تحقيقٌه لجهة حشد الدعم الدولي للقضيةٌ الفلسطينٌيةٌ، من جهة، والاستفادة من عدم قبول الفصائل غيرٌ المنضويةٌ تحت لواء المنظمة، وحتى من قبل بعض مكوناتها، بكافة عناصر برنامجها في اتجاه معالجة ما اعترى مرجعياٌت “عمليةٌ السلام” من تآكل، من جهة أخرى.
1. إلى أن يصٌبح توسيعٌ عضويةٌ منظمة التحريرٌ ممكناً، سواء من خلال الانتخابات أو أيةٌ آليةٌ موضوعيةٌ أخرى يتٌم التوافق عليهٌا، يبٌقى برنامج منظمة التحريرٌ دون تغيرٌٌ وتحتفظ المنظمة بمكانتها كممثل شرعي وحيدٌ للشعب الفلسطينٌي .ً
2. دعوة الإطار القياٌدي الموحد للانعقاد بصورة عاجلة وتفعيلٌ هذا الإطار، الذي يضٌم في عضويتٌه كافة فصائل منظمة التحريرٌ الفلسطينٌيةٌ والفصائل غيرٌ المنضويةٌ تحت لواء المنظمة، على نحو يجٌعل من قراراته الجماعيةٌ في كافة القضاياٌ المتعلقة بالمصلحة الوطنيةٌ العلياٌ جوهر ومضمون القرار الفلسطينٌي الموحد الذي تتولى منظمة التحريرٌ الفلسطينٌيةٌ مسؤوليةٌ التعبيرٌ عنه في كافة المحافل والاتصالات الدوليةٌ.
3. لا تتطلب عضويةٌ الفصائل الفلسطينٌيةٌ من خارج منظمة التحريرٌ في الإطار القياٌدي الموحد قبولها ببرنامج المنظمة. ولكن يجٌدر التنويهٌ في هذا المجال أنه، ومن منظور فلسطينٌي محض، قد يكٌون من المناسب النظر في اعتماد الإطار القياٌدي الموحد بالإجماع التزام كافة الفصائل باللاعنف لمدة زمنيةٌ محددة (أي بهدنة) تؤخذ بالاعتبار الوقت اللازم لإنجاز إعادة توحيدٌ المؤسسات الرسميةٌ والقوانينٌ، بعد تسع سنوات من الانقسام، ولإعادة اعمار قطاع غزة.
4. تحقيقٌ التزامن بينٌ السقف الزمني للهدنة التي يمٌكن للفلسطينٌينٌ ان يتٌوافقوا على عرضها وبينٌ تاريخٌ محدد لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي ، مع العمل على ترسيمٌ مثل هذا التفاهم في قرار يصٌدر عن مجلس الأمن الدول ، على ان تلتزم اسرائيل طوال فترة الهدنة بالوقف التام للاستيطٌان بكافة اشكاله وتمتنع عن اتخاذ أيةٌ إجراءات من شأنها عرقلة سعي الفلسطينٌينٌٌ لبسط واقع دولتهم على الأرض، وبما شٌمل رفع الحصار عن قطاع غزة وكافة أوجه الإعاقة القائمة في الضفة الغربيةٌ، بما فيهٌا القدس الشرقيةٌ.
5. تشكيلٌ حكومة وحدة وطنيةٌ مكونة من قياٌدات الصف الأول في كافة الفصائل وتخويلٌها لأقصى درجة يتيحها القانون الأساسي بإعادة بناء وتوحدٌ المؤسسات والاضطلاع بكافة المسؤولياٌت المنوطة بها على النحو المنصوص عليهٌ في القانون.
6. الالتزام بإجراء انتخابات حرة ونزيهٌة وشاملة خلال فترة زمنيةٌ تسبق بستة أشهر على الاقل نهايةٌ المرحلة الانتقاليةٌ المشار اليهٌا أعلاه، وضمان أقصى درجة من المساءلة من خلال إعادة انعقاد المجلس التشريعيٌ الحالي للقياٌم بدوره كاملاً، وبما شٌمل التصويتٌ على الثقة بالحكومة.
7. لا يتٌم الانخراط في أيةٌ عمليةٌ سياٌسيةٌ مع اسرائيل دون إقرارها المسبق بالحقوق الوطنيةٌ للشعب الفلسطينٌي كافة، كما عرفتها الشرعيةٌ الدوليةٌ، وقبولها بمرجعياٌت “عمليةٌ السلام” المعتمدة دولياٌ، وفي مقدمتها مبادرة السلام العربيةٌ.
آمل أن يمٌثل جوهر ما طرحته أعلاه في مجمله إطاراً معقولاً وواقعياٌ للانتقال بالوضع الفلسطينٌي الداخل من واقع الانقسام الى دائرة الأمل في إنهائه على درب تحقيقٌ المصالحة الوطنيةٌ الشاملة، وذلك كشرط اساسي لتمكينٌ الشعب العربي الفلسطينٌي من نيلٌ حقوقه وتحقيقٌ تطلعاته الوطنيةٌ، وعلى نحو يعٌزز من فرص نجاح مسعى اشقائنا العرب لمساعدتنا في تحقيقٌ ذلك، الأمر الذي يعٌتمد بدوره أيضٌاً على ان يكٌون منطلق كافة مكونات العمل السياٌسي في فلسطينٌ، وإن تعددت الرؤى، فلسطينيٌاٌ خالصاً.