أظهر استطلاع لمكتب المعهد الجمهوري الدولي الأميركي في عمان، أن 57 % من الأردنيين لا ينوون المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة. وأفاد 58 % أنهم لم يطلعوا على قانون الانتخاب ولا يعرفون عن الهيئة المستقلة للانتخاب.
محللون وساسة كثر صدموا بهذه النتائج، ورأوا فيها مؤشرا مقلقا على مستقبل العملية الانتخابية وشرعية البرلمان المقبل.
أعتقد أن المحللين، ومع الاحترام الكامل لوجهة نظرهم، تسرعوا في توقعاتهم المتشائمة حيال الانتخابات المقبلة، لاعتبارات عديدة.
لقد فات المحللين الانتباه إلى أن الاستطلاع المذكور تم إجراؤه قبل حل مجلس النواب بأسابيع، وقبل الإعلان رسميا عن موعد الانتخابات المقبلة. والرأي العام، في العادة، لا يميل إلى اتخاذ موقف جدي؛ سواء بالمشاركة أو المقاطعة، قبل أن تتضح الأمور بشكل نهائي.
وفي حالتنا الأردنية، كان واضحا أن الأغلبية اتخذت موقفا سلبيا من الانتخابات وقت إجراء الاستطلاع، تحت تأثير مشاعر ساخطة من أداء مجلس النواب الذي كان قائما حينها، والذي أظهر الاستطلاع تدني ثقة المواطنين به.
وحتى في البلدان الديمقراطية العريقة، عادة ما تكون نسبة المترددين في المشاركة كبيرة، لكنها سرعان ما تتقلص مع اقتراب موعد الاقتراع.
في الأردن، تلعب الحملات الانتخابية من طرف المرشحين، وأجواء التحشيد بكل أشكالها؛ العشائرية والحزبية والمصلحية، دورا حاسما في تغيير مزاج الناخبين، وتحفيزهم على تغيير مواقفهم والاتجاه أكثر للمشاركة. وسنلمس ذلك بوضوح في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، مع دخول مرحلة العد العكسي ليوم الاقتراع.
ويمكن للمشككين بهذه التوقعات أن يعودوا إلى نتائج استطلاعات أجريت في السابق، ومقارنتها مع نسب المشاركة بعد الانتخابات.
الناخبون يجهلون قانون الانتخاب الجديد؟
في اعتقادي هذا أمر طبيعي. لم يكن قد مضى على إقرار القانون عند إجراء الاستطلاع، سوى بضعة أسابيع. ولكون القانون مختلفا جذريا عما تعوّد عليه الناخبون في السابق، فمن المتوقع أن لا يحظى القانون باطلاع وتفهم الأغلبية.
والناخب العادي ليس مطلوبا منه أن يعرف أدق التفاصيل في قانون الانتخاب؛ يكفي أن يعرف آلية الانتخاب بنظام القوائم النسبية المفتوحة، ليمارس حقه.
وعندما تدور عجلة الانتخابات، وتنشط القوائم الانتخابية في ممارسة الدعاية وحشد قواعدها للمشاركة، سيعرف الكثيرون بالممارسة تفاصيل القانون، وطريقة الاقتراع، وتشكيل القوائم، وسواها من المعلومات الأساسية. وما إن يأتي موعد الانتخابات إلا وتكون الأغلبية قد فهمت عمليا القانون. يضاف إلى ذلك ما يمكن أن تتركه الحملات التوعوية في وسائل الإعلام، وهي قائمة حاليا، من تأثير إيجابي على إدراك الناخبين لحزمة التشريعات والتعليمات الخاصة بالعملية الانتخابية بكل مراحلها.
أما بشأن معرفة الناخبين بوجود الهيئة المستقلة للانتخاب، فلنتذكر أن المرة الأخيرة التي كانت فيها “الهيئة” على احتكاك مع الجمهور، قبل أربع سنوات! وفي غمرة انشغالاتنا اليومية، لا يكاد الواحد منا يتذكر ماذا تناول على إفطاره، فكيف نطلب من الناس الاحتفاظ باسم الهيئة المستقلة في ذاكرتهم لسنوات.
الفترة القليلة المقبلة ستشهد تفاعلا يوميا بين “الهيئة” وجمهور الناخبين والمرشحين، وسيكون هذا كفيلا بجعل اسم “الهيئة” مطروقا على كل لسان.
إذا كان ثمة ما يستدعي القلق في نتائج استطلاع المعهد الجمهوري، فهو ما تعلق بمواضيع أخرى خطيرة، وليس الانتخابات ونسب المشاركة.