ما حدث الأسبوع الماضي في ذيبان، يشكل صفارة إنذار أخرى، تكشف أن أسلوب الإدارة للدولة بحاجة إلى إطار فكري جديد، يترجم إلى أساليب مختلفة عما تعودنا عليه في السابق من إدارة للأزمات لا تعالج أسباب المشكلة، بقدر ما تحاول الاستجابة لضغوط آنية، وهو أسلوب لا ينجح في الكثير من الأحيان؛ لا في حل المشكلة الآنية، ولا في مسبباتها.
من السهل إلقاء اللوم على الشباب لأنهم اعتدوا على الممتلكات العامة أو تفوهوا بعبارات غير لائقة (وهذا لا يجوز بحال من الأحوال). لكن ذيبان تكشف عدة اختناقات عبّرت عنها البلدة نفسها في العديد من المرات سابقا، كما عبرت عنها معان والطفيلة، وغيرها من مدن المملكة. كما يكشف التعبير عن هذه الاختناقات أسلوب إدارة تقليديا لم يعد يحاكي تطلعات الناس أو درجة وعيهم. ومن المفيد تسليط الضوء على بعض جوانب أسلوب الإدارة التي تحتاج معالجة مختلفة:
أولا، لا نستطيع التعايش مع نسبة بطالة لدى الشباب تبلغ 30 % لسنوات، من دون أن تكون هناك خطط ناجعة لتخفيضها. لقد اكتفينا بخطط رتيبة، وتكلمنا عن إصلاحات اقتصادية لعقود، لم تنجح في تخفيض هذه النسبة ولو بالقدر اليسير، لأنها خطط لم تتعرض للاختلال الرئيس في اقتصادنا، وهو النظام الريعي. وفي كل مرة كانت هناك محاولة للحديث عن الابتعاد عن هذا النظام وتقديم خطط واقعية كفيلة بذلك، تم وضع هكذا محاولات على الرف، واكتفينا بمعالجة سطحية للمشكلة، والتعامل مع الاختناقات التي تنجم عنها بالطرق الأمنية. ما لم نعترف أن طرقنا التقليدية لم تنجح لأنها تتعامل مع الهوامش وتتجاهل الجوهر، فستتكرر ذيبان كما تكررت معان وغيرها.
ثانيا، أين إعلام الحكومة؟ لقد تعودنا كلما كانت هناك مشكلة في البلد على عقلية “خير الكلام ما قل ودل”. وفي العديد من الأحيان، كان الكلام يقل ولا يدل. العالم تغير، وواجب الحكومة، أي حكومة، أن تتحدث للناس بشكل يومي، ليس من باب التصريحات المقتضبة التي لا تعطي إلا جانبا من الصورة، ولكن من باب إعطاء التفاصيل وشرح الموقف واحترام عقول الناس. سياسة التكتم، بل والأوامر للصحافة بعدم الكتابة في العديد من الأحيان، تفتح الأبواب على مصراعيها لوسائل الإعلام الأجنبية لتغطية الأحداث، أو للإشاعات للانتشار. غني عن القول إنه في هذا العصر، الإعلام المبني على إطلاق التصريحات وليس ذلك المبني على المعلومة وشرح الموقف، هو إعلام لا يقنع أحدا. وأنا أعرف أن دولة الرئيس ومعالي وزير الدولة للإعلام يدركان ذلك تماما، وهو ما لا يدركه العديد من المسؤولين الآخرين.
لقد حان الوقت لطريقة إدارة جديدة، لا تكتفي بالحديث عن التحديات الآنية، بل تعتمد إطارا فكريا جديدا يستوعب التحديات الهيكلية، ويملك الإرادة لتنفيذ خطط واضحة تعالج هذه التحديات، خطط تهدف إلى زيادة النمو وخلق الوظائف الحقيقية بدلا من مبدأ الجباية الذي يحاول سد الثغرات فقط. كما حان الوقت لأسلوب جديد يعتمد المصارحة اليومية والتشاور والتواصل المستمر مع الناس لمعالجة فجوة الثقة التي لا يجوز أن يسمح لها بالتمدد. مشكلتنا أكبر من حكومة معينة. وبالتالي، نحتاج جهدا وطنيا تشاركيا، وإدراك أن إدارة الدولة بالطرق القديمة استنفدت.
دولة الرئيس يستطيع وضع بصماته على الحياة السياسية في البلاد إن عمل من أجل التأسيس لنهج جديد في إدارة الدولة الأردنية، ومن ثم إقناع باقي أركان الدولة بأن استقرار وازدهار الأردن يعتمدان على ذلك.