جلالة الملك يقرر تشكيل مجلس للسياسات الاقتصادية تحت إشرافه، لمناقشة الخطط والبرامج الاقتصادية والتنموية في مختلف القطاعات. ويؤكد الملك في رسالته إلى رئيس الوزراء
د. هاني الملقي، يوم الأحد الماضي، أن المجلس الجديد سيساند عمل الحكومة لتجاوز الصعوبات الاقتصادية التي تحول دون تحقيق النمو والتنمية المطلوبين.
الغاية مهمة تماماً. وهي تحمل إدراكا ملكياً لمدى التحدي الاقتصادي الذي يعيشه الوطن، وكذلك حجم التضاد بين المؤسسات في تسيير الملف الاقتصادي، كما المعوقات التي تُفشل الإنجاز المتمثل في حل مشكلات ترهق الناس وتعمّق شعورهم بالإحباط، أبرزها البطالة والفقر.
واهتمام الملك بالحالة الاقتصادية ومعيشة الناس مثّل دائماً أولوية لدى جلالته، وكثيرا ما تحدّث عنها؛ إذ لا يوجد كتاب تكليف لحكومة إلا ويقوم أساساً على مطالبتها بتحسين الوضع الاقتصادي. وهو ما لم يحدث، لأسباب ترتبط أحيانا بأداء الحكومات المرتبك، وتضييع الهدف، نتيجة غياب الرؤية والخطة الجامعة.
في فكرة تشكيل مجلس السياسات الاقتصادية وتشكيلته، تُقرأ عدة نقاط. الأولى، هي الحاجة الماسة لمظلة رسمية تجمع الأطراف المعنية كافة إلى طاولة واحدة، علّنا نتجاوز المشاكل والتناقضات والاختلافات بين هذه الأطراف، وبالتالي وضع حد لإفشال الخطط والبرامج وإعاقة العمل، بسبب عدم الانسجام ربما، أو البيروقراطية بشكل خاص.
ولعل المجلس يمثل، ثانياً، السبيل لتطبيق خطط وبرامج جف حبرها ويكاد يمحى، نتيجة الإهمال وعدم الجدية في العمل من قبل البعض، وليكون المجلس الجديد أداة إحيائها وبث الدماء في عروقها. إذ لدينا الكثير من الخطط والبرامج والاستراتيجيات التي تعطلت ولم ينفذ منها شيء.
المجلس مهيّأ، أيضاً، لجعل فكرة الفريق الاقتصادي واقعا؛ ووضع رؤية متكاملة للعمل، إذ إن غياب هذا الفريق عن الحكومات المتعاقبة، لطالما شكّل نقطة ضعف أساسية كبيرة غيّبت الإنجاز المطلوب، وغيبت أيضا الأفكار الجديدة القادرة على توسيع قاعدة الاقتصاد. في المقابل، فإن دور المجلس الجديد وآليات عمله يسعفان في إيجاد الفريق المتكامل. ويساعد على ذلك وجود الاقتصادي المخضرم محافظ البنك المركزي الأردني د. زياد فريز.
وفي تشكيلة المجلس شباب نجحوا في تطوير قطاعات نشطوا فيها، ترتبط بالريادة والسياحة والشركات الواعدة وتوظيف رأس المال. وهو ما يسمح لنا بالتفاؤل بالتمكن من تحسين قوانين الاستثمار والحوكمة، وتحسين عوائد الاستثمار والبيئة الاستثمارية في المملكة، بشكل يسهم في جذب استثمارات تساعد على التخفيف من حجم المأزق الاقتصادي، الذي -وللأسف- تعجز الحكومات عن التخفيف من وطأته.
كما أن وجود هذا المجلس يسدّ الباب على تبادل اللوم الذي نسمعه أحيانا كثيرة بشأن أسباب ضعف الإنجاز. إذ كنا أحيانا نغرق في تبادل الاتهامات، ومعها نغرق في التفاصيل، بشأن من يتحمل مسؤولية الإخفاق المزمن، بدلا من التركيز على نقل الاقتصاد من حالة إلى أخرى.
أيضا، سيساعد المجلس في تعظيم دور القطاع الخاص وإبراز دوره الحقيقي في الاقتصاد، اعتمادا على تجارب سابقة أثبتت أن تطوير الاقتصاد وتوفير فرص العمل يعتمدان على دعم الإبداع والمبادرات، وصولاً إلى إحداث التنمية المنشودة.
الحاجة لمجلس السياسات الاقتصادية ماسّة. وقد بادر جلالة الملك إلى تدشينها، ليكون العبء الآن على أعضاء الفريق الجديد؛ بإظهار إدراكهم حجم التحدي، وبالتالي أي أهمية قصوى لدورهم إزاء ذلك، لاسيما في ظل اتساع مدى الأزمة الاقتصادية لأسباب محلية وخارجية. ولتكون النتيجة الأهم لذلك، إقناع الناس، أفرادا ومؤسسات ومستثمرين، بأن ثمة تغييرا في العقلية التي تدير شأنهم الاقتصادي.