بعد مفاوضات ماراثونية طويلة، توصلت تركيا وإسرائيل لاتفاق يطوي صفحة أزمة “مرمرة”، ويفضي إلى عودة السفراء، وتطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الطرفين.
الاتفاق حسب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سيحقق فوائد اقتصادية كبرى لإسرائيل، لعل أهمها منح الغاز الإسرائيلي ممرا للوصول إلى الأسواق الأوروبية، إضافة إلى رفع الحظر عن توريد الأسلحة إلى تركيا، وتفعيل آليات التعاون العسكري والأمني.
تركيا لم تقدم تنازلات كبيرة لإسرائيل، إلا إذا اعتبر البعض عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها تنازلا. بيد أن الأهم من ذلك أن تركيا استعادت حضورها الميداني في الملف الفلسطيني؛ فالاتفاق حقق نصف المطلب التركي برفع الحصار البري والبحري عن قطاع غزة، وذلك بموافقة إسرائيل على دخول المساعدات التركية إلى القطاع المحاصر، واستئناف العمل بمشاريع خدمية تمولها الحكومة التركية، كمحطة الكهرباء ومستشفى بكلفة 80 مليون دولار، شرط أن يتم ذلك عن طريق ميناء أسدود الإسرائيلي وتحت رقابة أمنية من جانب إسرائيل.
حرصت القيادة التركية على تنسيق خطوات التطبيع مع حركة “حماس”؛ حليف تركيا الأول في الساحة الفلسطينية. فقبل يومين من إعلان التوصل للاتفاق، زار خالد مشعل أنقرة واجتمع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. في المقابل، اكتفى أردوغان باتصال هاتفي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليحيطه علما بالاتفاق.
كانت القيادة التركية تدرك أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل خطوة لا مفر منها، بالنظر إلى العلاقات التاريخية بين الجانبين، وحاجة تركيا الملحة لخطوات من هذا النوع لتخفيف حدة التوتر مع الغرب، ووقف نزيف العلاقات مع دول الإقليم. ويعتقد بعض المراقبين أن تركيا تسعى أيضا إلى استثمار وساطة إسرائيل لتحسين علاقاتها المتدهورة مع روسيا.
لكن أردوغان المسكون بصورته كزعيم شعبوي، ما كان ليقبل باتفاق يستنزف ما تبقى له من رصيد في الشارع العربي، ولهذا أظهر تشددا في المفاوضات، مثلما حرص على كسب دعم حركة “حماس” للاتفاق، التي تعاملت مع القرار التركي ببراغماتية شديدة لتحقيق حزمة من المكاسب تدعم سلطتها في غزة.
وقد تحركت الدبلوماسية التركية على نحو فاعل في اليومين الأخيرين، لتبرير الاتفاق وشرح المكاسب المتحققة منه، والتأكيد على أن تركيا لم تتنازل عن مطلبها برفع الحصار عن قطاع غزة، أو عن دعمها لقضية الشعب الفلسطيني العادلة.
في المحصلة، كان على أردوغان إبرام صفقة تضمن المنافع الاقتصادية بأقل قدر ممكن من الخسائر على المستوى الإقليمي.
عودة النفوذ التركي إلى قطاع غزة ليست بلا معنى أو قيمة؛ فعبر برنامج المساعدات الإنسانية، ستعمد تركيا إلى إحراج خصمها المصري الذي يعتبره البعض شريكا في حصار القطاع، وسيحاول أردوغان الظهور كزعيم إسلامي يقف إلى جانب شعب عربي يرزح تحت حصار مزدوج؛ إسرائيلي مصري.
لا يمكن للمرء أن يلوم تركيا على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل؛ إذ لا يعقل أن نطالبها بأن تكون أكثر عروبة من العرب، في زمن أصبحت فيه المصالح تتقدم على المبادئ في العلاقات بين الدول.