الخطة التنفيذية التي تقدمت بها الحكومة لجلالة الملك أول من أمس، أقرب ما تكون إلى بيان طلب الثقة. لكن في غياب البرلمان، كان لا بد من مرجعية تمنح الشرعية اللازمة للخطة وتباركها، وما من شرعية في هذه الحالة سوى الملك.
الخطة، وكما جاء في ديباجتها، هي ترجمة لما ورد في كتاب التكليف السامي. ستتلوها خطوة ثانية، تتمثل في تحويلها “إلى خطوات محددة وفق مواعيد واضحة تلتزم بها مختلف الوزارات والدوائر والهيئات”. وستتولى وزارة تطوير القطاع العام هذه المهمة في القريب العاجل.
سبق الصياغة النهائية للخطة جلسات عمل مطولة للفريق الوزاري، ترأس معظمها رئيس الوزراء د. هاني الملقي. وبعد انتهاء اللجان من عملها، اعتكف الملقي مع فريق مصغر من مستشاريه ليوم كامل في مكتبه، لوضع اللمسات الأخيرة على الخطة، قبل رفعها لجلالة الملك.
النقاشات التي دارت داخل الفريق الوزاري في مرحلة الإعداد كانت ثرية للغاية، وتخللتها سجالات ساخنة حول بعض القضايا الحيوية، كالاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج للإصلاح المالي والهيكلي، والذي يهدف إلى تخفيض العجز في الموازنة، وزيادة نسبة النمو الاقتصادي، وتخفيض المديونية على مراحل.
يمكن القول من الآن، وقبل أن تُصدر الحكومة الجداول الزمنية لتنفيذ ما تعهدت به، إن الخطة تحتاج عدة سنوات لتطبيقها، وليس أربعة أشهر. والخطة، بما انطوت عليه من تفاصيل وشروحات طويلة لمهمات المرحلة المقبلة، رسالة ضمنية بأن الملقي سيكلف من جديد بإعادة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات النيابية، إذا ما أثبتت حكومته خلال المرحلة الانتقالية أنها قادرة بالفعل على تحمل مسؤوليات المرحلة.
وإثبات القدرة مرهون بشرطين أساسين: ثقة جلالة الملك من خلال مراقبته لأداء الحكومة، ومدى التزامها بتنفيذ ما ورد في الخطة وكتاب التكليف؛ والمصداقية العامة لدى الرأي العام المستهدف أساسا بهذه الخطة.
وبهذا المعنى، فإن التحدي المقبل يخص رئيس الوزراء أكثر من الفريق الوزاري. ويعتقد المراقبون أن الملقي سيقاتل بشراسة خلال الأشهر القليلة المقبلة لتحقيق الشرطين. والرهان في هذا الصدد على شخصيته العملية وديناميكيته المعروفة.
لكن التحدي الكامن في الطريق هو بناء جسور الشراكة مع الأطراف المؤثرة في الدولة، وكسب دعمها؛ فقد كان مثل هذا الدعم حاسما في استمرار حكومة د. عبدالله النسور، وقاصما في تجارب حكومات سابقة لم تفهم قواعد اللعبة على نحو دقيق.
وقبل ذلك، يتعين على الملقي أن يخلق الانسجام الكامل بين أعضاء فريقه الوزاري، والتشبيك بين وزراء استمروا من الحكومة السابقة والوزراء الجدد، لأن ذلك سيكون مؤثرا بشكل كبير على حجم الإنجاز.
على المدى القصير، يتعين على الحكومة فتح حوار عملي مع الأطراف المعنية بمضامين الخطة التنفيذية، ومن مختلف القطاعات؛ لأنه من دون دعم الاقتصاديين ورجال الأعمال وقوى المجتمع المدني، لن يُكتب للخطة النجاح.
مع بعض التعديلات الطفيفة، وشطب وإضافة بعض الفقرات، يمكن لخطة الملقي أن تتحول بعد أشهر إلى مشروع بيان لطلب ثقة البرلمان.