الأسرى في سجون الاحتلال: آن لشمسهم أن تشرق/علي بدوان

”قضية الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال تتفاقم اليوم أكثر من أي وقت مضى على ضوء ما يجري داخل المعتقلات والسجون الصهيونية بحق هؤلاء الأسرى والمعتقلين، وقد ناهزت فترات اعتقال عدة عشرات منهم أكثر من ثلاثين عامًا وعلى رأسهم الأسير نائل البرغوثي، فيما يواجه عدة مئات منهم أحكامًا قاسية وجائرة.”

ما زالت قضية الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون ومعتقلات الاحتلال الصهيوني تُشكّل الجرح النازف والمُتقيح بجسد الشعب الفلسطيني، فقضيتهم تتفاعل كل يوم، فيما العالم والمؤسسات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة، يقف صامتًا صمت القبور، أو يتكلم بأحسن الأحوال بصوت مُتحشرج دون أن يُحرِكَ ساكنًا من أجل الضغط الجدي والفعلي على سلطات الاحتلال لإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين.
قضية الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال تتفاقم اليوم أكثر من أي وقت مضى على ضوء ما يجري داخل المعتقلات والسجون الصهيونية بحق هؤلاء الأسرى والمعتقلين، وقد ناهزت فترات اعتقال عدة عشرات منهم أكثر من ثلاثين عامًا وعلى رأسهم الأسير نائل البرغوثي، فيما يواجه عدة مئات منهم أحكامًا قاسية وجائرة، تصل لأحكام المؤبد ومضاعفاته، في زمن لم يَعُد فيه مُتسع أمام العالم المُتحضر على قبول هكذا أحكام وإجراءات منافية للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، بصدد حقوق الأسرى في المناطق الواقعة تحت الاحتلال.
تَشهَد سجون ومعتقلات الاحتلال معارك حقيقية وفعلية بين عموم الأسرى وسلطات السجون، وقد كانت وما زالت إضرابات الأسرى، ومنها سلاح الإضراب المفتوح عن الطعام، أو ما أُصطلح على تسميتها بــ”معارك الأمعاء الخاوية” وسيلة كفاحية صعبة، لكنها ناجعة في مقارعة ومواجهة الاحتلال وسجانيه، حيث اشتقت الحركة الأسيرة كل الوسائل والأنماط الكفاحية المتوافرة في مقاومة الاحتلال من داخل السجون، وحوّلت تلك السجون والزنازين إلى أكاديميات لتخريج الأعداد الكبيرة من الكوادر الوطنية المُحنكة من أصحاب الخبرات الميدانية التنظيمية والسياسية والثقافية وحتى العلمية من بين جموع آلاف الأسرى الذي مروا أو ما زالوا في سجون الاحتلال، ومنهم بعض القادة الكبار في الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وفي مقدمتهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات، ومسؤول حركة فتح في الضفة الغربية وعضو لجنتها المركزية مروان البرغوثي، إضافة لقيادات ميدانية مؤثرة من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، خصوصًا منها قيادات كتائب شهداء الأقصى وكتائب الشهيد عز الدين القسام وكتائب وسرايا القدس وغيرها، وعلى رأسهم يحي السنوار وإبراهيم حامد وروحي مشتهى وعباس السيد وجمال أبو الهيجاء، و(16) نائبًا من أعضاء المجلس التشريعي المُنتخب للضفة الغربية وقطاع غزة.
إن الوقائع والمعلومات الموثقة، تُشير بأن أكثر من (800) ألف مواطن فلسطيني من أبناء فلسطين في الأراضي المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة تعرضوا للاعتقال والتوقيف منذ العام 1967 وحتى اللحظة. وقد بلغت أعداد المعتقلين والأسرى في فترات سابقة ما ينوف على (13) ألف سجين ومعتقل، خصوصًا سنوات الانتفاضة الأولى وما تلاها من تفاعلات يومية فوق الأرض الفلسطينية المحتلة.
واليوم يَقبَع في سجون ومعتقلات الاحتلال أكثر من (5600) أسيرًا، بواقع (84%) من الضفة الغربية وقطاع غزة، و(14%) “من أسرى القدس والأراضي المحتلة عام 1948، وما يقارب من (25) أسيرًا عربيًّا، ممن يُطلق عليهم مُسمى أسرى الدوريات، الذين كانوا في طريقهم إلى فلسطين بدوريات فدائية لتنفيذ أعمال كفاحية ضد الاحتلال وجيش الاحتلال. عدا عن وجود نحو (220) معتقلًا من الأطفال والفتيان دون سن الـ(18) عامًا، ونحو (33) مُعتقلة. ويضاف إلى الأعداد السابقة حالات التوقيف الإداري اليومية التي لا تتوقف، والتي تطول فيها مُدد التوقيف في السجون والمعتقلات ودون لوائح اتهامات.
ومن المعروف بأن الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، موزعين على أكثر من (20) سجنا ومعتقلا ومركز توقيف وتحقيق في دولة الاحتلال، وبظروفٍ غير إنسانية، وظروفٍ مخالفة لشروط الحياة الآدمية، عدا عن فرض الأحكام العسكرية الردعية عليهم، ومنع الزيارات والعزل الانفرادي لأعداد كبيرة منهم من حين لآخر، والأحكام الإدارية، وسياسة الاستهتار الطبي، فهناك أعداد كبيرة من الأسرى يعانون من أمراض خطرة جراء انعدام الرعاية الصحية والطبية وسوء التغذية. كما يعاني قرابة ألف أسير منهم من حالات مرضية خطيرة تحتاج إلى علاج طارئ وعمليات جراحية عاجلة، فضلًا عن المئات من الأسرى الذين يعانون من الأمراض المزمنة ومضاعفاتها الخطيرة على حياتهم، وقد توفي العديد منهم خلال الفترات الأخيرة.
إن أسرى فلسطين شكّلوا على الدوام مدرسة في تحدي الاحتلال ومقارعته وجها لوجه والاشتباك معه من المسافة صفر، عدا عن دورهم في العمل الوحدوي الفلسطيني، فهم أكثر من جَسّدَ الوحدة الوطنية الحقيقية المنشودة، وحدة الشعب والمقاومة، ووحدة العمل الفلسطيني في مقارعة السجان وسطوة الاحتلال، وقد بادروا أكثر من مرة لإعلان صوت الوحدة الوطنية في وجه الانقسام الفلسطيني الداخلي ومخاطره، بما في ذلك صياغة وإطلاق الوثيقة الهامة التي عُرِفَت باسم وثيقة الأسرى لإنهاء الانقسام الفلسطيني والتي تم تقديمها لجلسات الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة، والتي توصل إليها قادة الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال ومن مختلف القوى والفصائل في شهر مايو/أيار 2006ـ وقد أُعتمدت من قبل الفصائل الفلسطينية كورقة مرجعية لعملية الحوار والتفاهمات الوطنية الفلسطينية.
إن أسرى فلسطين يستحقون كل الاهتمام والإنتباه، ويستحقون بذل كل الجهود من أجل تحريرهم وإطلاق سراحهم وهم مرفوعو الرأس بعزة وكرامة، حتى لو تطلب الأمر القيام بمبادرات نوعية لإطلاق سراحهم وتحريرهم وفق الطريقة التي تم فيها تحرير الآلاف منهم في عمليات التبادل التي تمت خلال فترات ماضية وتحديدًا في أعوام 1970، 1970، 1978، 1983، 1985، 2010… حين تم إبرام اتفاقيات تبادل الأسرى بجنود للاحتلال تم أسرهم من قبل المقاومتين الفلسطينية واللبنانية.
إلى ذلك، تَبرُزُ أهمية القيام بحملة تضامن مع قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في السجون “الإسرائيلية”، والعمل لدى جميع المؤسسات الدولية السياسية والقانونية والحقوقية من أجل فرض إطلاق سراحهم دون قيد أو شرط، حيث يقع على عاتق اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة وجميع المؤسسات الدولية والإنسانية ضرورة التدخل المباشر لدى سلطات الاحتلال لضمان تطبيق اتفاقية جنيف بصدد المناطق الواقعة تحت الاحتلال.
إن سلطات الاحتلال تسعى إلى تجريد قضية الأسرى من مرجعياتها السياسية والقانونية، وتحاول أن تَحتكر هذا الملف لصالح رؤيتها وفرض شروطها والمساومة في العملية التسوية المنهارة أصلًا، وعدم الاعتراف بالمعتقلين الفلسطينيين كأسرى حرب، وما يشكّله ذلك من انتهاك للقانون الدولي المتعلق بأسرى الحرب، ومن ضرب لقرارات الشرعية الدولية المتضمنة حماية المدنيين في المناطق المحتلة.
إن ملف الأسرى قضية هامة وحيوية، لا تَقِلُ أهمية عن غيرها من سائر القضايا الهامة التي تَخُص القضية الوطنية التحررية للشعب العربي الفلسطيني، وهو ما يستدعي العمل العربي والفلسطيني والإسلامي، وبالتعاون مع كل الحلفاء والأصدقاء وقوى الحرية والعدالة في العالم، وعموم المؤسسات الدولية، وعلى كل المستويات من أجل نصرة قضية الأسرى.
وعليه يفترض من الجانب الفلسطيني والعربي أن يطرح في الميادين الدولية المسؤولة قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال بالاستناد إلى الأساس القانوني لمعالجة هذا الملف وفق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والقانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان، وأن تجد هذه القضية روافعها الفلسطينية والعربية للضغط على سلطات الاحتلال والعمل على تحريرهم وعودتهم إلى أسرهم وأبنائهم

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير