لشباب العدوان نرفع القبعات/ فهد الخيطان

مجرم فار من وجه العدالة، قتل للتو خمسة من جيرانك وربما أقاربك؛ دمهم الطاهر لم يبرد بعد. فجأة، تكتشف أن هذا القاتل يجلس إلى جانبك في مسجد بحيك السكني. وحين يحاول الحاضرون الإمساك به، يستل سلاحه ويصيب أحد أبناء عمومتك إصابة بليغة تركته بين الموت والحياة عدة أيام.

ماذا سيكون رد فعل سكان الحي، لو أن هذا السيناريو حدث في مدينة أميركية؟

أجزم أن القاتل سيتحول إلى أشلاء مقطعة في غضون دقائق، وقد لا تجد قوات الأمن أثرا لجثته.

لم يحدث هذا في السليحي؛ البلدة البلقاوية التي يقطنها فلاحون من أبناء قبيلة العدوان، التي عُرفت عبر التاريخ بشجاعة رجالها وبأسهم الشديد.

شباب البلدة، ورغم إصابة ابن عمهم، لم يفقدوا أعصابهم؛ سيطروا على القاتل، وبادروا على الفور إلى الاتصال بالشرطة لاستلام المجرم وتقديمه للمحاكمة لينال الجزاء عن جريمته النكراء.

لا تنقص شباب العدوان الشجاعة للأخذ بثأرهم على الفور، لكنهم قدموا المثل بالانتصار لحكم دولة القانون. في هذا السلوك الحضاري ما يؤكد صحة الاعتقاد بأن لدى الأردنيين الاستعداد الكامل للامتثال لحكم القانون، بشرط أن تلتزم مؤسسات الدولة باحترامه وتطبيقه على الجميع من دون تمييز.

ليس سهلا على المرء أن يضبط تصرفاته حين يرى قاتل ابن عمومته يقف أمامه، أو حين يعلم بأن الجالس على يمينه قتل منذ ساعات خمسة من رجال الأمن غيلة وغدرا. لا بد أن يفقد أعصابه ويأخذ القانون بيده فينتقم من القاتل.

لكن شباب العدوان الشجعان تصرفوا بما يليق بمكانتهم وشجاعتهم، وانحازوا على الفور لدولة القانون.

ولسلوكهم الراقي هذا معنى آخر؛ فهو رد بليغ على القلة الجاهلة بيننا التي شرعت بعد الجريمة ببث دعوات الفتنة البغيضة، وحاولت شحن النفوس بالعصبية لتحدي سلطة القانون، وإثارة الفوضى بين الناس.

دائما ما يصنف بعض باحثينا ومثقفينا مجتمعنا بدرجة أدنى على سلم المجتمعات العربية، استنادا إلى فرضية مفادها أن تلك المجتمعات تسبقنا أشواطا في التحضر والتقدم، بينما نحن ما نزال مجتمعا تحكمه تقاليد البداوة والفلاحة.

موقف شباب عشيرة العدوان هو الرد البليغ على هؤلاء. أنظروا إلى ما يحدث في المجتمعات التي يقولون إنها متقدمة علينا. لا شك أن الجميع تابع ما حصل مع إحدى النساء في ريف مصر قبل فترة وجيزة، انتقاما من ابنها؛ جُرّدت من كامل ملابسها في الشارع.

ولسنا بحاجة للتذكير بالحروب الأهلية المشتعلة من حولنا في مجتمعات ظل مثقفوها -كما بعض مثقفينا- ينظرون بتعال للأردن والأردنيين.

لم يكسر لوج زجاج في مخيم البقعة بعد الجريمة، ولم يتأخر وجيه أو صاحب حضور في المخيم عن إدانة الجريمة، حتى والد القاتل.

وغدا سنسمع عن قائمة وطنية في الانتخابات المقبلة، تجمع أبناء عشائر السلط وممثلين من المخيم.

باختصار؛ شباب العدوان لم يتركوا لدعاة الفتنة ثغرة واحدة لينفذوا منها. ولمثل هؤلاء تُرفع القبعات احتراما.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري