لا يحمل الهجوم المسلح على مكتب المخابرات العامة في لواء عين الباشا، سوى بصمة واحدة، هي بصمة الإرهابيين، بما فيها من خسة ونذالة. وأي تأويل أو تفسير للعملية سوى هذا التفسير، هو يندرج في سياق خدمة مخطط الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى بث الفرقة في صفوف الأردنيين، وشق وحدتهم الوطنية التي تجلت بأبهى صورها في الاحتفالات بذكرى مئوية الثورة العربية الكبرى.
وقبل ذلك، هي رد فعل يائس على الالتفاف الشعبي الواسع حول القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، ودائرة المخابرات العامة تحديدا، بعد استشهاد الرائد راشد الزيود وإحباط العملية الإرهابية في إربد قبل أشهر، والحالة الوطنية غير المسبوقة عقب استشهاد الطيار البطل معاذ الكساسبة.
التحقيقات في هجوم عين الباشا لم تبلغ نهايتها بعد، وثمة تفاصيل أمنية لا يمكن أن نعلمها إلى حين القبض على منفذي الهجوم. لكن أيا كانت النتائج، فإن ما حصل لا يعد اختراقا أمنيا كبيرا، خاصة إذا ما قورن بعدد المحاولات التي تم إحباطها خلال العامين الأخيرين. ففي العام الماضي فقط، أحبطت الأجهزة الأمنية 15 محاولة لتنفيذ عمليات إرهابية قاتلة. وملفات تلك القضايا بحوزة الجهاز القضائي حاليا. تضاف إليها مئات محاولات التسلل عبر الحدود السورية، والتي انتهت إما بقتل المتسللين أو القبض عليهم.
ورغم الشعور بالثقة حيال قدرة الأجهزة الأمنية، ووعي الأردنيين تجاه خطر الجماعات الإرهابية، إلا أننا جميعا كنا على قناعة بأن فرص وقوع هجوم إرهابي واردة في أي لحظة، خاصة أن مراكز نفوذ تلك الجماعات في سورية والعراق تتلقى ضربات قاصمة، تقرب من نهايتها.
وليس مستبعدا أن تتحرك ذئاب كثيرة في أكثر من بلد على وقع الهزائم التي يتكبدها التنظيم الإرهابي في البلدين المجاورين، وعلى غرار ما حصل في مدن أوروبية عدة.
كان واضحا أمس أن كبار المسؤولين في الدولة يحرصون على إبداء أكبر قدر من التماسك وعدم الارتباك بعد الهجوم الإرهابي، والتصرف وفق خطة معدّة مسبقا للتعامل مع مثل هذه الأحداث، ومنح الجهات المعنية الفرصة كاملة للقيام بما يتطلب من عمليات وتحريات للإحاطة بتفاصيل العملية وجمع خيوطها، وصولا إلى الجناة.
لكن ما حصل سيفتح باب النقاش، خاصة في وسائل الإعلام العربية والأجنبية، حول الحالة الأمنية في الأردن التي اجتازت اختبارات عديدة من دون أن تسجل أي إخفاق يذكر.
ينبغي استيعاب هذا النقاش ومقاربته بصورة صحيحة، ووضع العملية في سياقها الواقعي وحدودها من دون مبالغة وتهويل.
من حقنا أن نطالب بالثأر لدماء شهدائنا الخمسة. ولن يهدأ بال الأردنيين قبل أن يوقع القصاص بالقتلة الجبناء. لكن على المستوى الداخلي، يجب احتواء السجال وإدارته على النحو الذي لا يضر بوحدتنا الوطنية، وحشد كل الطاقات في مواجهة الإرهابيين والظلاميين؛ فالمعركة معهم فقط.