أغلقت السلطات المقرّ التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين في وسط البلد. وهي رسالة جديدة تأتي في ظل مرحلة حرجة تمرّ فيها الجماعة؛ سواء على صعيد الحظر القانوني للمرّة الأولى لوجودها، كما على صعيد أزمتها الداخلية.
الجماعة تجنّبت إظهار أيّ تحدٍّ للدولة خلال الفترة الأخيرة، بالرغم من إغلاق مقرّاتها ومصادرتها، والتزمت بالحدّ الأدنى من المعارضة التقليدية. وحتى الانتخابات الداخلية جرت بصورة هادئة، كانت أقرب إلى التزكية، ولم تعلن أسماء أعضاء مجلس الشورى، وتنتظر الجماعة تحديد مصير المكتب التنفيذي بما ستؤول إليه أمور العلاقة مع الدولة.
ثمّة أكثر من مجموعة داخل الجماعة الأمّ، وآراء متعددة بشأن كيفية التعامل مع الخطوات الحكومية الأخيرة.
الاتجاه الأول، هو الحكماء والحمائم، والذي قرّر بالرغم من بقائه داخل الجماعة راهناً أن يستنكف عن أي دور داخلي قيادي، وهو أشبه في حالة تجميد؛ لديه قناعة بأنّ الجماعة انتهت عملياً، ويعدّ حالياً للإعلان في الشهر المقبل عن مشروع تأسيس حزب سياسي جديد، بعد أن استقال أغلب أعضائه من حزب جبهة العمل الإسلامي. وهو يضم القيادات التاريخية مع شباب يمثلون نخبة متميزة في الجماعة وجبهة العمل الإسلامي سابقاً.
ميزة هذا الاتجاه، الذي لا ينوي المشاركة في الانتخابات المقبلة، أنّه يضم قواعد اجتماعية متنوعة ومتعددة، وليس كما هي الانشقاقات السابقة. وحضور القادة التاريخيين يعطيه انتشاراً شعبياً أوسع.
الاتجاه الثاني، خارج التغطية والنص تماماً؛ ليس مسيّساً، وهو أحد المسؤولين عما وصلت إليه الجماعة والحزب، ويضم قيادات الجماعة وأغلب قيادات الحزب حالياً. ويتعامل مع اللحظة الراهنة بوصفها محنة طبيعية وشرطا من شروط صحة الدعوة ومصداقيتها، ولا ضير لديه من العمل السرّي تحت الأرض أو الاستمرار بمقاطعة الانتخابات النيابية، ويراهن على أنّ أزمات الدولة ستصب بنهاية اليوم في صالح المعارضة.
الاتجاه الثالث، هو اتجاه داخل الجماعة والحزب، يمثل جيل الشباب الذين اختلفوا مع الحمائم سابقاً، لكنّه يدرك اليوم أنّ الجماعة في أزمة تاريخية تتجاوز الإطار الداخلي، والعلاقة مع الدولة، إلى البعد الإقليمي والدولي.
ثمة مؤشرات أنّ هذا الاتجاه لا يرى ضيراً من التحول نحو جبهة العمل الإسلامي، وإعادة تعريف دور جماعة الإخوان والاكتفاء بالجانب الروحي والدعوي لها. وهو يدرك أيضاً أنّ المشاركة في الانتخابات المقبلة ستخرج جبهة العمل الإسلامي من حالة العزلة الراهنة، وتحافظ على الوجود القانوني والدور السياسي للحزب.
فوق هذا وذاك، فإنّ هناك إدراكاً لدى هذا الاتجاه بأنّ حسابات “الربيع العربي” والرهان على الحالة المصرية، لم تعد مجدية، ومن الضروري التفكير في خيارات جديدة تتناسب مع الحالة الراهنة، وتطوير أيديولوجيا الحزب، والنظر إلى التطورات الجديدة والتجارب الناجحة في كلّ من تونس والمغرب، بعدما كانت الجماعة محبوسة في قفص الحالة المصرية.
لكن هذا الاتجاه، الذي لا يفصح علناً عن آرائه وأفكاره، يخشى كثيراً من أن يدفع ثمناً غالياً، في حال دفع بالحزب باتجاه المشاركة في الانتخابات المقبلة، وتكررت تجربة العام 2007، فسيخسر كل شيء، ولن يحتفظ إلا ببضعة نواب غير مؤثرين، بينما قد تذهب الحصص الأخرى للطرف الإسلامي الآخر، سواء كان “زمزم” أو حزب الوسط الإسلامي أو كليهما معاً!
ما يزال حزب جبهة العمل الإسلامي إلى اليوم يمثل شريحة اجتماعية واسعة، بخاصة في المدن الكبرى، برغم كل الانشقاقات والأزمات. وهو ينتظر من الدولة رسائل أكثر وضوحاً حول نيّاتها تجاه الحزب، وفيما إذا كانت ترغب في مشاركته أو استمرار إقصائه من المشهد.
إذا كانت هناك نيات حقيقية لإصلاحات برلمانية ولتطعيم مجلس النواب المقبل، وتطوير الحياة السياسية، فإنّ الحوار مع جبهة العمل الإسلامي مؤشر واضح على ذلك!