أحلام النفط!/ جمانة غنيمات

بمجرد صدور خبر عن اكتشافات إسرائيلية نفطية، قيل إنها ضخمة، في البحر الميت، قبل أيام، عادت اللغة المشككة بالحقائق التي توردها الحكومات المتعاقبة، حول عدم جدوى الاستثمار في النفط في تلك المنطقة.

طبعاً، التشكيك مرده أحلام الأردنيين بأن يصبح بلدهم نفطيا، وبحيث تنمو الثروات فتخلصهم من فقرهم وبطالتهم أساساً، وأكثر من ذلك أنهم قد يتمكنون من التمتع بنمط معيشي استهلاكي فيه كثير من الرفاهية، على نحو ما يحدث في بلاد النفط، وإن كان البعض يحيا هذا النمط برغم قلة الإمكانات.

وبذلك، يكون مبعث هذه الأحلام أيضاً، وبدرجة كبيرة، التعويض عن فشل الحكومات في خلق نظام اقتصادي منتج، يجعل مهمة تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة أسهل. فمع أموال النفط “الموهومة”، لن تكون هناك حاجة لكبير عناء وتضحيات وتفكير مختلف للوصول إلى هذه التنمية.

ويبدو أن كثيرين بيننا لا يقدرون، ولربما لا يرغبون في التخلي عن أحلام النفط، رغم كل التحولات الجذرية التي تجري في كبريات الدول المنتجة؛ وأحدث الأمثلة هي السعودية، بعد أن سبقتها إلى ذلك بفترة طويلة نسبياً، الإمارات العربية، لاسيما إمارة دبي التي رفضت أن يكون النفط مصدر دخلها الوحيد.

فالسعودية الآن، برؤيتها الجديدة “2030”، تفكّر بعصر ما بعد النفط؛ كيف تبني اقتصادا يعتمد على الإنتاج، بدلا من تحصيل ثروات سهلة من خلال النفط. مع ذلك، ما يزال كثيرون بيننا يتعلقون بحلم يذوي مردوده، ناهيك عن أنه لا مؤشر فعليا على أن أساسه قابل للإيجاد ابتداء.

هكذا تبقى أحلام النفط الأردني معلقة، رغم التصريحات المكرورة التي نسعى إليها نحن كصحفيين، بحكم متابعة هكذا أخبار. ففي كل مرة، يصرح مصدر مسؤول أو خبير بأن جميع الدراسات أدت إلى نتيجة واحدة لا تتغير؛ ثبوت عدم ارتقاء الكميات المكتشفة في تلك المنطقة (سواء شرقها أو غربها) إلى المستويات التجارية. ورغم كل النفي، تبقى راسخة في عقول الناس تلك الأوهام التي تتحدث عن كميات نفط بملايين البراميل، لاسيما منذ إعلان شركة “ترانس غلوبال”، في العام 2008، عن نتائج قيل إنها مبشرة، لكن ثبت خطؤها فيما بعد.

ويجزم الناس عموماً أن ثمة إخفاء لواقع ما يزالون يحلمون به. وهم إذ يستخدمون أحياناً “نظرية المؤامرة” في تبرير إصرارهم، فإنهم يرتكزون في أحيان أخرى على تحليل منطقي، ولو ظاهرياً على الأقل؛ إذ كيف يستوي أن يُحرم الأردن من هذه الخيرات رغم موقعه الاستراتيجي، ووجوده في حفرة الانهدام؟!

يبقى السؤال الكبير هو: لماذا لا يفقد الأردنيون الأمل، فتبقى فكرة استكشاف النفط في بلادهم حاضرة؟

تبعا للتركيبة الإنسانية، فإن من حق كل إنسان أن يحلم بما هو أفضل، طالما لم يوفر له الواقع حالا أحسن. وهذا تماما ما يحصل للأردنيين، الذين طالما أحبطتهم الحكومات، وضربت بأحلامهم على صخرة واقع صعب وقاس.

ربما يخطئ الأردنيون فيما يتعلق بالنفط، لكن تقييمهم بفشل جهود الحكومات في استثمار ثروات نعرفها، هو تقييم حقيقي وواقعي. فهذه الثروات ما تزال مهملة أو تأخرت منافعها كثيرا، بسبب غياب الاستراتيجيات والخطط، وأيضا بسبب سوء التخطيط لقطاع الطاقة خصوصاً على مدى عقود، ما أدخل البلد في واقع صعب وأزمات متكررة، لم يخرج منها إلا محمّلا بديون وضرر كبير بالاقتصاد في كل مرة.

الصخر الزيتي، اليورانيوم، النحاس، السيليكون، الحديد، الذهب، الغاز، وغيرها من الخيرات، لم يجر استثمارها بشكل حقيقي ومجد، بشكل ينعكس على أحوال الناس. وعجز السياسات عن خلق بدائل تحقق طموحات الناس، يبقي أحلام النفط قائمة بالضرورة.

إن إيقاظ الناس من أحلامهم، أو إخراجهم من أوهامهم، لا يكون بنفي رسمي متكرر لأخبار أو إشاعات وجود النفط عندنا. بل يتم ذلك بنقل الاقتصاد إلى مرحلة جديدة، تخفف من اختناق القطاعات الاقتصادية عموماً، والتي أحرقها سوء التخطيط لقطاع الطاقة تحديداً (ضمن عوامل أخرى طبعاً)، وتكريس مفهوم أمن الطاقة، الذي لا بد من الإقرار أننا بدأنا نشهد شيئا من ملامحه.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري