نزولا عند رغبة و”شكوك” أوساط شعبية وسياسية فلسطينية، تراجع الأردن عن مشروع تبناه قبل أشهر لتركيب كاميرات مراقبة في ساحات الحرم القدسي الشريف، لرصد الانتهاكات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى والمصلين.
يقول رئيس الوزراء د. عبدالله النسور في تصريحه بهذا الشأن إننا “فوجئنا” بردود أفعال “بعض أهلنا في فلسطين”، المتوجسة والمشككة بالخطوة. وفي اعتقادي، هنا يكمن أصل الموضوع.
كان واضحا منذ البداية أن الحكومة لم يكن لديها تقدير موقف صحيح لرد فعل الجانب الفلسطيني، على خطوة يفترض أنها تصب في خدمة الفلسطينيين أولا. على المستوى الرسمي الفلسطيني، بدا من ردود الفعل أن الأردن لم ينسق بشكل مسبق مع قيادة السلطة الفلسطينية، بدليل أن أول من خرج لانتقاد مشروع الكاميرات هو وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، الذي وصفها بالفخ.
رئيس السلطة محمود عباس، والذي تردت علاقاته مع الأردن في السنتين الأخيرتين، لاذ بالصمت حينها، وكذلك معظم الشخصيات المقدسية.
وقد حاول الأردن استدراك الموقف بحملة اتصالات مكثفة مع هذه الشخصيات، لكن بلا فائدة. وكان لافتا أمس مسارعة محافظ القدس عدنان الحسيني إلى الترحيب بقرار الأردن عدم المضي بمشروع الكاميرات.
لقد مثّل المشروع برمته اختبارا لمدى نفوذ الأردن في الضفة الغربية وفي أوساط المقدسيين. وجاءت النتيجة سلبية مع الأسف.
وما جعل المشروع محل تشكيك من جانب الفلسطينيين، موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي بادر إلى الترحيب بالمقترح الأردني، وقال يومها: “إن لإسرائيل مصلحة في تركيب الكاميرات”. وبهذا القول حكم نتنياهو على المشروع بالموت المبكر.
إن المرء ليتعجب من هذا الإخفاق في تقدير الموقف قبل تبني المشروع، ووضع الأردن في موقف محرج اضطر معه رئيس الوزراء إلى إعلان كالذي طالعناه أول من أمس.
كان واجب المعنيين في مؤسسات الدولة إجراء مشاورات مكثفة مع الجانب الفلسطيني، على المستويين الرسمي والشعبي “المقدسي”، قبل المسارعة إلى “التقاط” الفكرة وتبنيها رسميا، لا بل والشروع عمليا في تنفيذ المشروع وتركيب الكاميرات.
الشكوك التي أحاطت بالمشروع “الأردني” ليس لها أساس بالطبع. والنوايا الأردنية كانت صادقة وخالصة لحماية الحرم القدسي من العربدة الصهيونية واقتحامات قطعان المستوطنين، وتوثيق هذه الاعتداءات وفضحها أمام العالم وتوظيفها كأداة للضغط على حكومة نتنياهو للكف عن مثل هذه الممارسات.
ليس ثمة مجال للشك في النوايا الأردنية. لكن إدارة العملية منذ بدايتها، شابها القصور والارتباك والاستعجال من طرفنا. وكان أمرا مخيبا بحق أن نبدو عاجزين عن السير في مشروع يخدم المقدسات التي نتولى إدارتها ورعايتها، ونعجز عن مواجهة حملة شعبوية انطلقت مبكرا لشيطنة المشروع وتسويقه على أنه مؤامرة مدبرة مع إسرائيل، فيما الأردن يخوض مواجهة ساخنة مع حكومة نتنياهو دفاعا عن المقدسات.