عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – عاش الحياة العامة طولا وعرضا فقد تقلب في مناصب عدة وشغل وظائف عليا عديدة ومتنوعة وظل دائما اكبر من الوظيفة . كما ظل يجمع بين التكنوقراطي والسياسي في صيغة متكاملة فهو تنكوقراط في الادارة حيث عمل في شركة النفط ( ارامكو) كما عمل في التعليم وعمل في الملكية الاردنية مديرا للادارة .. وفي الجانب السياسي كان سياسيا بامتياز وحزبيا بامتياز .. بدا حياته اشتراكيا ثم تطور الى الليبرالية فكان يحترم الراي والراي الاخر .. كان فلسطينيا بامتياز واردنيا بامتياز وحين كان يراس وفدا اردنيا ليتباحث مع وفد فلسطيني لم يكن يجد في ذلك تناقضا بل كان يرى ان الاردن هي الاردن وان فلسطين هي فلسطين وان في الضفتين شعب ممتد لا انفصام في علاقاته العميقة وان المستقبل واحد مهما اختلفت الخصوصيات السياسية ..
تمتع الرجل بصفات عميقة وامتلك كارزما مؤثرة فقد كان صبورا حين يستلزم ذلك وكان جادا ومحاورا قديرا .. كان واقعيا الى درجة كبيرة حين يتناول شانا سياسيا كما كان وجدانيا عاطفيا ورومانسيا حين كان يتمتع بالنص الادبي او يقراه او يكتبه او يستمع الى الموسيقى التي يحبها ..
كان شديد التعلق بجذوره وعاداته وتقاليده ولكنه كان يقدمها مهذبة وقادرة على التشابك مع التطور والحداثة ..
فيه من التحضر ما جعلته ينتمي الى اكثر تيارات المعاصرة تفاعلا ومن البداوة ما ظل يؤكد على اصالته ..
احب الخليل وعمان بنفس الدرجة كما احب كل موقع شغله وخاصة العقبة التي بدا فيها مع بداية انتقالها وتطورها لم تستهوه الشعارات بل ان قراءته للماركسية ومعرفته بتجلياتها الفكرية والثقافية قد بعث فيه عقلية الحوار والجدل والعلمية .. ظل يرى ان التطرف هو الخطر ايا كانت مدرسته او مذهبه او ديانته ولذا ظل يحذر من الاتجار بالدين او اعادة بيعه على الناس ليكون تجارة ..
احب مصر ودافع عنها حتى حين كانت تؤول الى انظمة قد لا يرضى عنه فقد كان له هوى مصري ظل يؤكده من خلال صداقاته العريضة والمتشعبة مع المثقفين المصريين وهو صاحب ذائقة في الفن والادب والفكر والثقافة اذ جاء الى المواقع الرسمية فيها مكتملا ومؤهلا باطلاعه على لغة وحضارة الاخرين فكان لقراءاته الاجنبية دورا في صقل شخصيته بعد ان تخرج من جامعة القاهرة في تخصص اللغة والادب الانجليزي ..
تاثر بنمط حياة والده اكرم دودين استاذ الجيل الذي نشا على يديه جيل كامل حين عمل مدرسا ومشرفا تربويا ومراقبا .. وقد رايته وانا طفل يزور مدرستنا في الخليل فقد عمل مشرفا تربويا في مدارس وكالة الغوث وترك بصماته ليس على المعلمين والمربين وانما على الطلاب والمناهج والجيل ..
والراحل يحترم المراة ويقدرها ويدافع عن حقوقها ويؤمن بحريتها ولا يميز عن حقها في اي فرصة كما الرجل وقد دفعه ذلك الى تبني الكثير من قضايا النساء ..
اما ذائقته في الطعام فقد عكسته مهارة ام صخر التي عرفت فيه هذه الميزة فكانت مثالا للسيدة المربية التي تخرج من بين يديها صخر وسهل وسمر متمتعين ببصيرة والدهم ومتاثرين بقيمه في الكرم والوفاء والصدق وحسن المعشر ..
ترك مروان دودين بصمات على الحياة السياسية الاردنية فقد انخرط فيها لا من موقع الوظيفة والوزارة التي حمل فيها اكثر من حقيبة في اكثر من وزارة ولكن من خلال العمل السياسي والتنظيمي والمجتمع المدني .. كان في الاتحاد الوطني يزامل الراحل جمعة حماد ويتاثر به وكان في لجنة السبعين المنبثقة عن الاحزاب الاردنية كما كان في اكثر من حزب وقد اصبح رئيسا لواحد منها وامينا عاما .. وظل في خندق الاعتدال والوسطية ولم يزعجه ذلك رغم ما يحمله من فكر ليبرالي يؤمن بالحرية الشخصية .. رغم انه في السياسة ظل محافظا!!!..
يرحل الرجل الدمث صاحب النكتة والمجلس الجميل وصاحب العبارات المنتقاة .. يرحل وقد كان في الواجهة دائما وفي علية القوم سديد الراي، مبادرا .. واصلا للرحم مصلحا بين ذات البين .. لم يلوث تاريخه وسلوكه بكسب غير مشروع او مشاريع وهمية ولم يسجل عليه طوال حياته قضية فساد او اقتراب من المال العام ولم يرد اسمه في اي لائحة تفتقد الى الشفافية ..
ظل بيته مفتوحا لاهالي مدينة الخليل وجبلها وظل على صلة بهم كما ظل يؤمن ان الاردن هو بوابة فلسطين وكان للخطط التي ظل يقترحها في اعمار الضفة الغربية وفي اسناد صمود اهلها بعد عام 1967 وفي رئاسة اللجنة المشتركة التي كان يقابله فيها الراحل القائد الشهيد ابو جهاد الدور الكبير ..
تمتع مروان دودين بسنوات جميلة من التقاعد كنت التقيه فيها في الماريوت وقد حرص ان يظل اصدقاؤه من حوله كما تمتع بعلاقات عميقة مع شيوخ العشائر الاردنية الذين سبقوه سنا وعكس حبه لطريقتهم في ادراكه لمدى اهمية دورهم ..
يرحل الرجل المبتسم دائما والذي يرى ان الامور مهما عظمت يمكن اختصارها وان القضايا المعقدة يمكن استسهال حلها فقد كانت عزيمته كبيرة ..
كان شجاعا في ابداء رايه وفي قول ما يراه صوابا وكان موقع ثقة من مسؤوليه ومن الذين قادهم في كل مواقعه ..
رحل مروان دودين بهدوء وقلبه عامر بالمحبة لبلده ولمواطنيه واهله . لقد كان تعلقه بالحياة جميلا لا يشبع الجالس مجالسته او حديثه وانا اقر له بدفء الجلوس والمعشر وحفظ الغيبة ونظافة السريرة وبشاشة الملتقى ..
رحم الله ابا صخر فقد كان مدرسة لا تنسى دروسها ..