النخب السياسية منهمكة بمناقشات لا تنتهي للجداول الزمنية المتعلقة بموعد الانتخابات النيابية المقبلة، والموعد المناسب لحل مجلس النواب الحالي، ورحيل حكومة النسور. والبند الأخير يقفز أحيانا ليتصدر اهتمامات النخب، لاعتبارات لاتخفى على أحد، لدرجة أن البعض يقترح التمديد أطول فترة ممكنة للمجلس الحالي، مقابل استقالة الحكومة في أسرع وقت، عسى أن ينالوا نصيبهم في الحكومة الجديدة.
المواعيد الانتخابية مهمة دون شك، لكن ماهو أهم منها أجندة الانتخابات المقبلة، ومحتوى العملية الانتخابية.
لنتذكر هنا أن الانتخابات المقبلة هى محصلة لعملية الإصلاح السياسي، التي توجت بحزمة تشريعات جديدة ومتطورة مقارنة مع الوضع السابق؛ قوانين الانتخاب والبلديات واللامركزية والأحزاب. وستكون نكسة كبيرة للبلاد والعباد لو أن هذه “القفزة الإصلاحية” لم تحدث الفرق المطلوب في بنية مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية.
لم تعد الدولة الأردنية تملك هامشا للمناورة، بات لزاما عليها مواجهة استحقاق لابد منه، وهو تجديد النخبة السياسية في السلطتين، وخاصة البرلمان. إننا إزاء وضع مزر، يتطلب جراحات سياسية عميقة لخلق جيل جديد من البرلمانيين والقيادات التنفيذية، يتحلى بالقدرة والكفاءة والنزاهة، ويؤمن بالأفكار الحداثية اللازمة لإصلاح مؤسسات الدولة وتطوير نهجها.
ما الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه البرلمان المقبل؟
طرح مثل هذا السؤال ليس مدخلا يمس بنزاهة العملية الانتخابية، أو تدخلا في شؤون الهيئة المستقلة للانتخاب. السؤال سياسي بامتياز، وينطلق من رؤية المصالح العليا للدولة، والجواب عنه يخص الإدارة السياسية، وليس الانتخابية.
كنا في كل موسم انتخابي نطرح شعارا ساذجا؛ “البرلمان الذي نريد” وندشن حملات دعائية تروج لمواصفات النائب المطلوب، تاركين لجمهور الناخبين مهمة “تلبيق” هذه المواصفات على من يختار من أبناء العمومة، أو أصحاب المال والنفوذ.
لم تتحمل مؤسسات الدولة يوما مسؤولياتها في”هندسة” العملية الانتخابية على نحو يخدم أهدافها. في الحالات التي حصل مثل ذلك الأمر، كان التدخل كارثيا وصل إلى حد التلاعب بالصناديق والعبث بخيارات الناس. بمعنى تزوير الانتخابات.
ينبغي الفصل تماما بين العملية الانتخابية وما تتضمنه من إجراءات باعتبارها حقا حصريا للهيئة المستقلة، ولا يجوز التلاعب بها، وبين حاجة الدولة لعملية سياسية تمنح فرصة لذوي الخبرة والكفاءة في المنافسة والوصول إلى البرلمان، وفق تصور معد مسبقا خدمة لأهداف معلنة ومشروعة لمواصلة عملية البناء الديمقراطي، وتهيئة الأجواء لدخول عصر الحكومات البرلمانية.
في كل المجالس النيابية بعد العام 1989 كانت الدولة تحوز دائما على الأغلبية بغض النظر عن طبيعة النظام الانتخابي. فما من حكومة سقطت في التصويت تحت القبة في برلمان 89 الذي يعد أكثر البرلمانات حضورا للمعارضة. المشكلة كانت في نوعية “الموالاة” وكفاءتها وسويتها الأخلاقية، وهوما ينبغي التفكير فيه مليا في الانتخابات المقبلة.
المعارضة الأردنية في خطها العام حاليا، هي معارضة في كنف الدولة وتحت سقفها الدستوري، فقد انتهى ذلك اللون من المعارضة الذي يغرد خارج الدستور.
لقد منحتنا التطورات الإقليمية فرصة هائلة لإعادة ترتيب بيتنا الداخلي على النحو الذي يتوافق مع مصالحنا العليا، ولا يجوز تفويت هذه الفرصة في الانتخابات المقبلة.