عروبة الإخباري- عاد الشد والجذب بين جناحي السلطتين، التشريعية بقيادة رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، والتنفيذية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله النسور، ليظهرا للعلن مجددا، وليبينا تراكم “فولاذ جديد” بين الرجلين، وهوة كبيرة، من التباعد بينهما، ما كان يتجلى أحيانا، بتبادل بعض الكلمات أو “الغمزات” خلال الجلسات النيابية.
والمشكلة أن التباعد بين مسؤولي “الدوار الرابع” ونواب “العبدلي”، كما في كل مرة، لم يعد على غرار ما كان عليه سابقا، أي لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو تأخر قوانين، أو لعدم الرد على أسئلة النواب، أو بسبب طريقة تعامل نواب مع وزراء
أو العكس، وإنما بات يتصل بحصر تعيينات موظفين في مجلس النواب وعددهم 109 خارج ديوان الخدمة المدنية، بالمجلس نفسه.
والواقع أن هذه التعيينات استنزفت كثيرا من العلاقة بين الطرفين، حتى باتت الكتب الصادرة والواردة بينهما تؤشر إلى تدني مستوى الثقة، وتكشف عن أزمة تأصلت بينهما.
النسور والطراونة تزاملا في مجلس النواب السادس عشر، وربما يكون النسور قد انتخب الطراونة لرئاسة المجلس عندما خسرها بفارق صوت واحد، عن النائب
عبد الكريم الدغمي الذي بات رئيسا حينها، ما يعني أن العلاقة بين الرجلين كانت طيبة، ولم يكن هناك ما يعكر صفوها، خصوصا وأن الطراونة ليس معارضا، وليس محسوبا على أي تيار معارض، كما أن الرجل متفهم للكثير من المنعطفات التي مرت بها البلاد، وكان له دور بتمرير قوانين مفصلية ومهمة وبتفهم كبير.
مقابل ذلك، فإن السيرة الذاتية للنسور تشير إلى أنه لم يحمل للطراونة إرثا سلبيا، وأن رطوبة العلاقة بينهما كانت تؤشر لإمكانية تطورها وإيجابيتها، خاصة عندما تسلم كلاهما قيادة السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذا ما الذي حصل؟
يعتقد مراقبون، أن تقزيم خلاف (النسور- الطراونة) وحصره بالتعيينات داخل مجلس النواب فقط لا يستقيم، ولا يمكن أن يقنع أحدا، بل إن الخلاف أكبر وأشمل وأعمق من خلاف على 109 وظائف في المجلس خارج ديوان الخدمة المدنية لأبناء نواب ومسؤولين من مراكز مختلفة.
ويرون أن “من يعتقد بخلاف ذلك فهو واهم”، وهو ما يؤكده نواب مخضرمون أيضا، يرون أن الخلاف أعمق، ولا يقتصر على الطراونة فقط، بل المقصود أوسع من شخص رئيس المجلس، كما أن الخلاف ليس مع النسور أيضا، وإن كان رئيس الوزراء هو الظاهر في العلن.
أما الرسائل بين النسور والطراونة فتحمل في طياتها لغة خطاب غير معهودة بين طرفي السلطتين.
فالنسور الذي أرسل كتابا لرئيس “النواب” يبلغه فيه بقرار مجلس الوزراء الموافقة على تنسيب رئيس النواب بتعيين 109 موظفين، قال في كتابه الثاني، الذي حمل رقم 16377 تاريخ الثالث من الشهر الحالي: “للعلم أن مجلس الوزراء قد وافق – بعد تردد- في جلسته (…) على إحداث شواغر للمذكورين في القائمة المرفقة، والبالغ عددهم 109 للسنة المالية 2016، وقرر أيضا أن لا ينظر في أي طلبات مشابهة مستقبلا، لأنها تحرم أصحاب الحقوق المسجلين في ديوان الخدمة المدنية من حقوقهم القانونية، وأن تتم تعبئة الشواغر في مجلسي النواب من خلال مخزون ديوان الخدمة المدنية وتحت رقابة ديوان المحاسبة وفق القانون”.
عمليا، كتاب رئيس الوزراء يعترف ضمنا أن التعيينات لا تتوافق مع الأنظمة، كما أن الموافقة جاءت بخلاف كتاب ديوان تفسير القوانين الذي كان أفتى “بعدم الجواز لمجلس النواب بالتعيين خارج ديوان الخدمة المدنية”، وهنا رب سائل: “إذا لماذا يوافق مجلس الوزراء على تعيينات غير متوافقة مع القوانين والأنظمة، فكيف لمجلس الوزراء أن يتجاوز فتوى ديوان تفسير القوانين؟”.
تدريجيا، يقودنا ذلك إلى أن التستر بفتاوى وخلافه من مواضيع، قد يكون أحيانا مقصودا به المناكفة ليس أكثر، فالأصل أن يتم احترام القانون وعدم السماح لأحد بتجاوزه، وأن لا يتم التشبث بعدم التعيين خارج ديوان الخدمة المدنية في كل الأماكن، بما فيها مجلسي النواب والأعيان، أو في الدرجة العيا، و”الخارجية” و”الداخلية” و”العمل” و”العقبة الاقتصادية”، وهو ما أشار إليه رئيس مجلس النواب في رده على كتاب النسور، الذي اعتبره الطراونة “خارجا على التقاليد السياسية المتبعة في التخاطب بين رؤساء السلطات”.
وفي رد الطراونة على النسور مثلبة أيضا، وهو أن مجلس النواب كسلطة رقابية على الحكومة، يعرف أن هناك تعيينات تمت خارج العدل وبعيدا عن المساواة وسكت عليها، وبالتالي فإن من حق الرأي العام أن يسأل طرفي السلطتين عن ذاك، وكيف لهما أن يعلنا أمام الملأ عن تجاوزات تتم وأخرى تمت؟!
صحيح أن من حق مجلس الوزراء منح استثناءات، لكن التوسع فيها يجب أن يكون محصورا في أضيق الحالات، وبالتالي يجب أن لا يصبح الاستثناء قاعدة وتطبيق القانون نشازا.
كتاب الطراونة ورده على كتاب الرئيس النسور، حمل في طياته أيضا لغة تصعيد غير مسبوقة، حيث ذكر بأنه كان “يمني النفس بأن يكون التردد المكتوب في كتاب النسور الموجه قد ظهر عندما كان يتم اختيار الوظائف العليا”، مذكرا أن “تعيينات النواب كانت تتم منذ الأزل من خلال الاستثناء وليس عن طريق ديوان الخدمة”.
وأشار الطراونة إلى أن “الحكومة لم تبخل على مجلس النواب السابع عشر في إيصال رسائل سلبية، وأن تلك الرسائل تظهر عملية استقواء على السلطة التشريعية، وان مواقف النسور “شخصية”، ويتوجب عليه الترفع عنها”.
في المقابل فإن نوابا أبرزهم محمد الرياطي وعدنان العجارمة وغيرهما، كانت لهم مواقف سلبية من التعيينات التي جرت في المجلس مؤخرا، ولطالما هاجم نواب تحت القبة تلك التعيينات واعتبروها “غير شرعية وغير منطقية”، وانه “لا يجوز تعيين أبناء نواب خارج إطار ديوان الخدمة المدنية”.
في كل الأحوال، فإن الخلاف والكتب المتبادلة كشفت عيبا بنيويا في طريقة التعامل مع القوانين والأنظمة، وأظهرت خلافات كانت دائما يجري زجها تحت الطاولة، بيد أن الخلاف حاليا ظهر للعلن وبات يعبر عنه برسائل عتب أحيانا، وهذا ما دفع نوابا للتدخل وتوضيح رؤيتهم في ما يحصل.
فالنائب الثاني لرئيس مجلس النواب خميس عطية قال في تصريح صحفي إنه “من الواضح أن العلاقة بين رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ليست على ما يرام، وهذا بحد ذاته ليس مشكلة، ولكن حينما تصبح لغة التخاطب بينهما بهذا الشكل فإن من واجبنا أن نعبر عن رفضنا لذلك”.
وأضاف عطية: “إنني أسجل اعتراضي وتحفظي على طريقة مخاطبة رئيس الوزراء في كتاب وجهه إلى رئيس مجلس النواب حول التعيينات في المجلس”، معتبرا أن رئيس الوزراء “لم يكن موفقا في طريقة التخاطب، ولا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يقول لرئيس مجلس النواب هذه آخر مرة، أو أن مجلس الوزراء وافق بعد تردد”.
وتابع: “إنني أرى أن هذا الكتاب بلغته لا يعبر عن تقاليدنا السياسية ولا عن لغة الخطاب السياسي الأردني، بل إنه “شاذ”، وعلى رئيس الوزراء أن يعيد النظر في لغة هذا الكتاب ويعتبره منعدما وكأنه لم يكن”.
وتابع قائلا: “لست معترضا على أن تكون التعيينات في مجلس النواب من خلال ديوان الخدمة المدنية، ولكن كما يعلم الجميع فإن السلطة التشريعية هي سلطة مستقلة وفق الدستور، ولها الحق في التعيين من الموظفين إذا كانت بحاجة، والمطلوب من الحكومة أن تحترم مجلس النواب، وأن تحترم حقه في الرقابة والتشريع، ومطلوب من مجلس النواب أن يمارس صلاحياته الدستورية في العلاقة مع الحكومة، بعيدا عن أية قضايا شخصية”.
في المحصلة فإن الخلاف بين السلطتين يجيء في الشوط الإضافي الأخير من المباراة، إذ إن عمر كليهما في النزع الأخير، ولم يتبق للدورة العادية سوى 35 يوما فقط، الأمر الذي لا يسمح لهما بالتصعيد ضد بعضهما البعض.(الغد)