خمسة أيام سيقضيها ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز في مصر. برنامج الزيارة يوحي بالكثير، وفي كل محطة من محطاتها مفاجأة بدا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي كان يتصبب عرقا غير قادر على احتمالها؛ جسر بري بين البلدين، واتفاقيات تنموية وتجارية بالجملة، مشاريع مشتركة، وخطاب تكريمي غير مسبوق لملك سعودي في مجلس الشعب المصري.
التحالف الاستراتيجي الذي خط البلدان أوراقه قبل أشهر بات حقيقة ملموسة، يصعب بعدها التفكير بضرب أوتار العلاقة الوثيقة بين الرياض والقاهرة.
كان وقع الزيارة على خصوم السيسي من حلفاء السعودية ثقيلا ومحبطا؛ تبدى ذلك في التغطيات الإعلامية الشحيحة لنشاطات خادم الحرمين في مصر.
عمل المحور القطري التركي خلال الفترة السابقة على احتواء التقارب السعودي المصري، وتظهير الخلافات في سياسة البلدين حيال ملفات مهمة بالنسبة للرياض كالملف السوري، وتأليب الرياض على النظام المصري. كما بذلت محاولات كثيرة لمد جسور العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر والقيادة السعودية. وكان الرهان كبيرا في بعض الأوقات ببعث تحالف واسع يجمع السعودية وتركيا وقطر وحركات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان، لخنق لنظام السياسي، وقطع شريان المساعدات السعودية والخليجية عنه. وتكفلت وسائل إعلام بعضها محسوب على السعودية في حملة تعبوية لدفع الرياض على التخلي عن نظام السيسي، والتشكيك بمواقفه حيال القيادة الجديدة في السعودية.
وفي مرحلة من المراحل نجحت هذه الحملة بتوتير العلاقة بين الرياض والقاهرة، لكن متغيرا إقليميا كبيرا دفع بالقيادة السعودية إلى مراجعة حساباتها، وإعادة ترتيب أولوياتها وتحالفاتها. والمقصود هنا الخطر الإيراني في التوصيف السعودي بوصفه التحدي الأكبر، ودخول السعودية وإيران مرحلة المجابهة المباشرة، وعلى كل الجبهات.
إزاء ذلك لم يكن أمام الرياض من خيار سوى التشبيك مع مصر بصرف النظر عن تباين المواقف حيال الأزمة السورية وأزمات أخرى. مصر الدولة العربية الأكبر، ومن دونها لايمكن للعالم العربي أن يقف على قدميه في مواجهة إيران.
اليمن كانت جسرا للتعاون السعودي المصري، وعليه سارت القيادة السعودية نحو بناء جسور العلاقة الوثيقة مع القاهرة.
وفق هذا التصور السعودي تغدو قضية الإخوان المسلمين تفصيلا صغيرا لايجدر التوقف عنده، خاصة أن الجماعة اتخذت من تركيا حليفا وراعيا لها.
القيادة التركية التي عملت بجد لتعزيز علاقاتها مع السعودية، وسعت جاهدة لتوسيع الفجوة بين القاهرة والرياض، لن يكون أمامها من خيار سوى القبول بالأمر الواقع، وعنوانه؛ الرياض لن تغامر بخسارة مصر مقابل تركيا. وفي مرحلة لاحقة قد تضطر القيادة التركية إلى التخفيف من حدة الأزمة مع القاهرة، إذا ما رغبت في كسب ود السعوديين.
بعد الزيارة التاريخية لملك السعودية إلى القاهرة، نشهد ولأول مرة استعادة أسس محورعربي كان حاضرا بقوة قبل ثورات الربيع العربي وركيزتاه، الرياض والقاهرة، إلى جانب الأردن والإمارات العربية، والبحرين، وليس بعيدا الكويت.
وليس من معيق لاستعادة زخم العلاقات بين أطراف المحور المذكور، سوى الأزمة السورية؛ عقدة المنطقة وتحالفاتها، وفي حال مضت مفاوضات جنيف على سكة الحل السياسي، فإن روحا “قديمة” ستنبعث في المنطقة.