فقدان نصاب.. أم فقدان شهية؟/ جمانة غنيمات

لم تخلُ أي جلسة لمجلس النواب، منذ إقرار قانون الانتخاب تحديداً، من فقدان النصاب؛ بمغادرة أغلبية النواب من تحت قبة البرلمان، حتى صار “فقدان النصاب” هو العنوان لأداء المجلس.

والبحث عن أسباب ذلك ضرورة، لأنه يؤدي، بداهة وأساساً، إلى إبطاء إنجاز المؤسسة التشريعية ككل. كما أنه فوق ذلك يسوّد ما تبقى من مساحة صغيرة بيضاء في سجل مجلس النواب الحالي.

جلسة يوم أول من أمس تقدم أنموذجا صارخا على الشعور بعدم اكتراث الأغلبية الساحقة من النواب للمهمة التي يُفترض أن يقوموا بها؛ وذلك عندما لم يبقَ سوى 23 نائبا تحت القبة، مقابل مغادرة وتغيّب 127 نائبا آخرين!

وصور المجلس شبه خال من أعضائه، تفضح شعور النواب بأنهم فقدوا الشهية للعمل؛ فلم تعد حتى الكاميرات التي تغطي وقائع الجلسات تغريهم بالبقاء في مقاعدهم لساعات، أقله ليستعرضوا أمام قواعدهم الانتخابية، ولو تمثيلا، أنهم ملتزمون بالقَسم الذي أدوه بأن يخدموا وطنهم وناسهم. ومع افتقاد حتى هذا الهدف “الاستراتيجي” لقيمته لدى نوابنا، ترى المقاعد خالية إلا من عدد قليل منهم، ولسان حالهم يقول: “لقد انقضى عمر المجلس؛ فماذا نحن فاعلون هنا؟ ولماذا نضيع وقتنا من دون منافع تذكر؟”.

فعلاً، دخل الجميع في مزاج الانتخابات النيابية المتوقعة قريباً، رغم ما يشاع هنا وهناك عن فرص التمديد للمجلس الحالي على تواضع أدائه؛ إذ تبقى احتمالية تحقق هذه الشائعة أقرب إلى المستحيل. وقد بدأت بالظهور أعراض إجراء انتخابات نيابية، وقبل ذلك ملامح رحيل مجلس النواب الحالي؛ ابتداء بإقرار قانون الانتخاب الجديد، وما تلاه من إقرار لنظام الدوائر الانتخابية، وصولاً إلى تقديم أعضاء الهيئة المستقلة للانتخاب استقالاتهم بانتظار صدور الإرادة الملكية بقبولها، وتشكيل مجلس مفوضين جديد للهيئة، قادر على إدارة العملية الانتخابية خلال الفترة المقبلة.

بالعودة إلى فقدان النصاب، فإنه يبدو بمثابة إعلان نيابي ذاتي بانتهاء عمر المجلس، واقتراب انقضاء ربع الساعة الأخير، وذلك حتى قبل أن تتكاثر الأصوات المطالبة بذلك. وفي ذلك، أيضا، تغليب للرأي القائل بضرورة المضي بالإصلاح السياسي، في مواجهة آراء البعض من الساعين إلى تأخيره بحجة أوضاع الإقليم غير المستقرة شمالا وشرقا.

والحق أن المجلس النيابي الحالي لم يعد يملك ترف تبييض صورته أو تغييرها في أذهان الناس. وهو يدرك هذا قبل أي طرف آخر. ولذلك فإن أغلبية أعضائه لا يسعون إلى هذا الهدف، ما زرع فيهم شعور اللاجدوى من الجلوس تحت القبة، رغم أن أمام مجلسهم القليل من أشهر العمل، الضرورية لإقرار حزمة من التشريعات، إضافة إلى إجراء تعديلات على النظام الداخلي للمجلس قبل أن يأتي المجلس السابع عشر إلى “العبدلي”.

نفهم أن يطالب الرأي العام بانتخابات جديدة، وإلا لماذا وضعنا قانونا غادرنا معه “الصوت الواحد”؟! وللإعلام كذلك الحق في تقييمه للأداء النيابي، وتبني رأي بهذا الشأن. لكن الأكثر جلاء في دعم ما سبق أن المجلس بدأ من تلقاء نفسه يعلن انتهاء عمره، ما يعني أن استمراره للمدة المتبقية دستوريا، أو التمديد له، لن يقدم أو يؤخر شيئاً في ظل فقدان غالبية جلساته لنصابها.

ثمة مسألة أخرى ذات صلة، تتمثل في أن مزاج الرحيل دفع بعض النواب إلى انتهاج سياسة تصفية الحسابات والمزايدات المجانية، علّه يكسب الجولة الأخيرة، رغم أن أجواء الفوضى والمناكفات هي الطاغية على جلسات المجلس.

عمر مجلس النواب الحالي وبقاؤه، لم يرتبطا بأدائه، فهما آخر ما يرجح استمراره. بل التقى ذلك حتما مع رغبة جلالة الملك في تكريس فكرة الحكومات البرلمانية، وعلى قاعدة أربع سنوات للنواب ومثلها للحكومة، وهو ما تم فعلاً. وذلك ضمن هدف المضي إلى الأمام في مسيرة الإصلاح السياسي المنشود، والذي لن يحققه بقاء مجلس نواب يكاد يكتب بيد أعضائه شهادة رحيله، عبر إهدار نصاب جلساته.

Related posts

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات

العرس ديموقراطي والدعوة عامة!* بشار جرار

انشاء سوق طوعي لأرصدة الكربون قد يساعد شباب ريادة الأعمال على إيجاد فرص عمل* د. حازم الناصر