تشير دراسات البنك الدولي إلى أن معدل مكوث اللاجئين في الدول المضيفة لهم جراء الحروب والكوارث، يبلغ سبعة عشر عاما. ما يعني أن افتراض عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في وقت قريب لا تدعمه الحقائق التاريخية؛ وليس أدل على ذلك من عدم عودة عدد كبير من اللاجئين العراقيين الموجودين في الأردن إلى بلادهم، رغم انتهاء الحرب هناك منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما.
إذن، المقاربة التي يعتمدها المجتمع الدولي، كما تلك التي يعتمدها الأردن، لا تستطيع أن تقتصر على النواحي الإنسانية وإغفال النواحي التنموية لهؤلاء اللاجئين، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها. وليس ذلك منة أو انتحارا، ولكن لأن أي سياسة تعتمد المساعدات الإنسانية دون توفير فرص العمل والتعليم والصحة لتلك المجتمعات، من شأنها خلق بؤر للتطرف في عقر دارنا، وبالتالي مشكلة أمنية حقيقية. كما أن أي سياسة تنموية لا تأخذ بعين الاعتبار المجتمع المحلي، ستزيد من حدة التوتر مع اللاجئين، وستُقابل بالرفض العارم من المواطنين.
من الواضح، إذن، أن أي مقاربة فعالة عليها أن تأخذ بعين الاعتبار حاجات كل من المجتمع المحلي واللاجئين على حد سواء، وإلا فإنها لن تنجح. ومؤتمر لندن الأخير مثّل علامة فارقة من حيث استيعاب المجتمع الدولي لهذه النتيجة، وبداية تبنيه لمقاربات جديدة تركز على النواحي التنموية لكلا الطرفين.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للأردن؟ لقد قدم الأردن ما لم تقدمه دولة أخرى، باستثناء لبنان، في مجال مساعدة اللاجئين السوريين. ويجب أن يسجل له ذلك، وأن يعطى المساعدات اللازمة للتعاطي مع هذه الأزمة. ومع هذا، لا تكفي المطالبة بمزيد من المساعدات الخارجية، وهي ضرورية، فالأهم أن توظف هذه المساعدات من أجل اعتماد خطة تنموية ترفع من قدرة الاقتصاد الأردني على خلق فرص عمل جديدة بشكل ملموس، لأن معدل النمو الاقتصادي الحالي الذي لا يتجاوز 3 % غير قادر على مجابهة التحديات الاقتصادية الحالية من دون مشكلة اللاجئين، فكيف الحال مع وجود مليون وثلاثمائة ألف سوري بيننا؟
إن محاولة إيجاد فرص عمل للاجئين السوريين عن طريق استبدال جزء من العمالة الآسيوية في المناطق الصناعية المؤهلة مثلا، أو في قطاعات أخرى لا يقدم الأردنيون على العمل فيها، هي سياسة جيدة، ولكنها غير كافية بكل المقاييس. إن لم نوظف الأموال الإضافية القادمة، مهما يكن حجمها، في إنفاق رأسمالي تنموي يساعد في إحداث قفزة واضحة في مجال خلق فرص العمل للأردنيين والسوريين، فإننا سنواجه تحديا صعبا للغاية من النواحي كافة؛ الاقتصادية والأمنية والمجتمعية. وهو تحد لا يمكن معالجته بتمني أن يرجع اللاجئون إلى بلدهم في وقت قصير، حتى لو تم التوصل إلى تسوية سياسية غدا صباحا.
من الممكن تحويل الأزمة إلى فرصة. وليس مستحيلا الاستفادة من الطاقة الكامنة للاجئين السوريين، وخلق فرص عمل للأردنيين بالتوازي. لكن هذا يحتاج سياسة اقتصادية حصيفة لا تعالج الأمور بالقطعة، بل من منظور استراتيجي متكامل، يأخذ بعين الاعتبار استمرار وجود اللاجئين بيننا لعقدين من الزمن. كما أن هذه السياسة تحتاج شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص لا تتوفر حاليا بسبب ضعف الثقة بين الجانبين.
نمر في ظروف طارئة. لكن هذا ليس عذرا لعدم استثمار هذه الظروف من أجل تطوير سياسة تنموية حقيقية تتعدى امتهان الطلب المستمر من المجتمع الدولي تقديم مزيد من المساعدات التي لا توظف في الكثير من الأحيان لتحقيق التنمية المستدامة، بقدر ما تغذي نظاما ريعيا بات هو العائق الحقيقي أمام الوصول إلى شاطئ الأمان.