الطريق إلى علاقة استراتيجية بين مصر والسعودية/ حسن نافعة

يحل الملك سلمان بن عبدالعزيز بعد أيام ضيفاً على الرئيس عبدالفتاح السيسي في زيارة لمصر، سبق الإعلان عن موعدها منذ أسابيع عدة. ويشير تاريخ العلاقات المصرية السعودية، المتذبذب بين أقصى درجات التعاون والصراع، إلى حرص البلدين معاً على توفير حد أدنى من التنسيق والتواصل بينهما في كل الظروف والأوقات.

لذا يتوقع أن يصدر في ختام هذه الزيارة بيان يؤكد نجاحها في «دفع عجلة التعاون بين البلدين في مختلف المجالات»، وربما يتخللها التوقيع على «بروتوكولات» تحدد وتفصل أوجه هذا التعاون. غير أن صدور بيان من هذا النوع لن يرقى بالعلاقة الثنائية بين البلدين إلى مستوى التحديات القائمة، بالنظر الى خطورة ما يجرى في المنطقة في تلك اللحظة الاستثنائية من تاريخها.

فالملك سلمان يصل العاصمة المصرية في أول زيارة له عقب توليه مسؤولية الحكم، محملاً بشعور عميق بأن بلاده تواجه خطراً إيرانياً يحاصرها من الجنوب، عبر البوابة اليمنية، ومن الشمال، عبر البوابة العراقية. ولأنه يدرك في الوقت نفسه أهمية الدور الذي يمكن لمصر أن تلعبه في مواجهة هذا الخطر الوجودي، يأمل الملك سلمان بأن تسفر زيارته لمصر عن فهم أوضح لمرتكزات الأمن السعودي وعن تجاوب مصري أقوى مع متطلباته. صحيح أن مصر تشارك في تحالفين عسكريين تقودهما المملكة العربية السعودية، أحدهما عربي والآخر إسلامي، إلا أن المشاركة المصرية تقتصر على وجود بعض القطع البحرية بالقرب من باب المندب والمشاركة في مناورات وتدريبات عسكرية مع الدول الأعضاء، كما أن هناك هوة تفصل بين مواقف البلدين حول سبل معالجة الأزمات المشتعلة في المنطقة، بخاصة في سورية واليمن.

أما الرئيس عبدالفتاح السيسي فيبدو بدوره مهموماً بتهديدات من نوع آخر، كالأزمة الاقتصادية الداخلية التي قد يؤدي استمرارها إلى اندلاع اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق، والمخاطر الناجمة عن تمدد تنظيم «داعش» في سيناء شرقاً وفي ليبيا غرباً وعن استمرار إثيوبيا جنوباً في بناء سد النهضة من دون أخذ مصالح مصر المائية بعين الاعتبار. ولأن السيسي يدرك أهمية الدور الذي يمكن للسعودية أن تلعبه لتمكين مصر من مواجهة هذه الأخطار، يأمل الرئيس المصري بأن تسفر زيارة الملك سلمان عن تفهم أوضح لمرتكزات الأمن الوطني المصري وأن تتجاوب السعودية في شكل أفضل مع احتياجات ومتطلبات هذا الأمن. صحيح أن السيسي يشعر بامتنان عميق للدور الذي لعبته السعودية في عهد الملك الراحل عبدالله لدعم ثورة الشعب المصري ضد حكم جماعة «الإخوان المسلمين». غير أن التقارب قائم في هذه المرحلة بين السعودية من ناحية وتركيا وقطر من ناحية أخرى. ويأمل الملك والرئيس بأن يتوصلا إلى رؤية مشتركة لطبيعة الأخطار والتحديات ولنوعية السياسات الكفيلة بمواجهتها وفق صيغة تستجيب لمصالح ومطالب الطرفين معاً.

تدرك مختلف التيارات والقوى الفكرية والسياسية والاجتماعية في كل من مصر والسعودية أهمية العلاقات المصرية السعودية والحاجة الماسة لتطويرها لمصلحة الجانبين، غير أن الوصول إلى الصيغة الأفضل لهذه العلاقة يتنازعه نهجان: الأول، يرى أن لكل من مصر والسعودية نظاماً سياسياً واجتماعياً مختلفاً، وأن العلاقة بينهما يجب أن تحدد على أساس ثنائي بحت وفق رؤية كل من النظامين لمصالحه الخاصة ولاحتياجاته من الطرف الآخر. ويعتقد أنصار هذا النهج أن مصر تحتاج إلى السعودية بقدر حاجة السعودية إلى مصر، ومن ثم تتعين إدارة العلاقة بين البلدين على أساس «المقايضة»، والمنافع المتبادلة والمعاملة بالمثل و «خذ وهات». غير أنني لا أتفق مطلقاً مع هذا النهج، وذلك لأسباب عدة أهمها: 1- أنه نهج يقوم على رؤية ضيقة لمصالح النظم الحاكمة، وليس بالضرورة لتحقيق مصالح الشعبين أو مصالح الأمة ككل. 2- يصلح كمسكّن للآلام العابرة وليس كعلاج للأمراض المزمنة أو المستعصية. 3- اختبر كثيراً، باعتباره النهج الأكثر استخداماً حتى الآن، لكن حصاده مر، ويعد مسؤولاً إلى حد كبير عن حالة التردي التي وصلت إليها أوضاع العالم العربي في الوقت الحاضر.

النهج الثاني يرى أن مصر والسعودية تشكلان العمود الفقري لنظام إقليمي عربي مأزوم ويحتاج إلى رافعة لا يقدر على توفيرها سوى تحالف استراتيجي بين البلدين. ولأنه لن يكون بوسع أي دولة منفردة، مهما بلغت قوتها، أن تنجو أو تواجه التحديات بمفردها، تفرض المسؤولية الوطنية والقومية على كل من مصر والسعودية رسم علاقتهما الثنائية وفقاً لمتطلبات واحتياجات الأمن القومي، وليس العكس. وهذا هو النهج الذي يتعين أن يسود خلال اللقاء المرتقب بين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس عبدالفتاح السيسي.

لا يحتاج أي مراقب محايد أن يسوق حججاً كثيرة للتدليل على أن النظام الإقليمي العربي يشرف على الهلاك ويكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة. فقد انقسم السودان إلى دولتين وأصبح مرشحاً للانشطار إلى دويلات أخرى كثيرة، وهناك دول عربية عديدة، كالصومال والعراق وسورية وليبيا واليمن، تعاني حروباً أهلية لن تستطيع أن تخرج منها موحدة، حيث ظهرت مناطق تتصرف كأقاليم تتمتع بحكم ذاتي، وبدأت قوى دولية عديدة تتحدث علناً عن الفيديرالية كمخرج لتسويات محتملة. أما بقية الدول العربية التي لا تزال تحتفظ بسلطة مركزية موحدة، كمصر ودول مجلس التعاون الخليجي الست والجزائر والمغرب وتونس، فتتعرض لهجمات إرهابية تهدد بعضها بالتحول، في مستقبل قريب أو بعيد، الى دول فاشلة أو شبه فاشلة. ولأن النظام الإقليمي العربي محاط بثلاث دول قوية، هي إيران وتركيا وإسرائيل، تتطلع لوراثة تركته بل وتتنافس عليها، فمن الطبيعي أن تسعى هذه الدول الثلاث، كل بطريقتها، للفوز بأكبر نصيب من هذه التركة. والسؤال: هل تتمكن مصر والسعودية من صياغة علاقة استراتيجية تمنع انهيار النظام الإقليمي العربي وتحول دون تقسيم تركته بين الدول الطامعة؟

من الطبيعي أن تتباين رؤية الدول العربية لمصادر تهديد أمنها الوطني بتباين وضعها الجيوسياسي. فبعض الدول العربية المطلة على الخليج ترى في إيران مصدر التهديد الرئيسي، وهو أمر يصعب التسليم به من جانب الشعب الفلسطيني الذي تحتل إسرائيل أرضه. وبينما تشعر الغالبية الساحقة من المصريين أن إقدام إثيوبيا على بناء سد النهضة، من دون تشاور مسبق أو تنسيق، يشكل تهديداً وجودياً بالنسبة لمصر، قد ترى شعوب عربية أخرى أنه شعور مبالغ فيه. ولحل هذه المعضلة يتعين التعامل مع كل مصدر رئيسي من مصادر تهديد الأمن الوطني لأي دولة عربية باعتباره مصدراً من مصادر تهديد الأمن القومي العربي ككل، على أن تتولى مؤسسات العمل العربي المشترك ترتيب الأولويات وحشد وتعبئة الموارد اللازمة للتعامل مع كل مصدر على حدة، وفقاً للأولويات المتفق عليها وفي حدود الموارد المتاحة. ولأن جامعة الدول العربية تبدو عاجزة عن القيام بوظائفها في الدفاع عن الأمن القومي العربي، لم يعد هناك بد من العثور على صيغة جديدة لعلاقات مصرية سعودية تمكنها من العمل كرافعة للنظام الإقليمي العربي وتبحث عن سبل جديدة للتعامل مع التحديات التي يواجهها.

للقيام بهذا الدور، يزداد الأمل في أن يتمكن اللقاء المرتقب بين الملك سلمان والرئيس السيسي من: 1- بلورة رؤية مشتركة لنوع التسويات المطلوبة للأزمات المشتعلة في اليمن وسورية والعراق وليبيا وفلسطين، بالإضافة إلى أزمة سد النهضة. 2- العمل على توحيد الموقف العربي وراء هذه الرؤية، من خلال جهد سياسي وديبلوماسي منسق وفعال. 3- التواصل مع كل الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بهذه الأزمات بهدف دفعها للتحرك في اتجاه إنجاح الجهود المبذولة للتوصل إلى التسويات المطلوبة. 4- البحث عن طريق لحوار جاد وعميق مع كل من إيران وتركيا باعتبارهما عمقاً إسلامياً لا يجوز التفريط فيه. 5- العمل على استعادة العرب زمام المبادرة في التعامل مع القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب الأولى.

قد تبدو هذه مجرد أمنيات، لكن على قادة العرب أن يبذلوا كل ما في وسعهم لتحقيقها وإلا استمر السقوط نحو هاوية أعمق.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري