عروبة الاخباري- خاص – كتب سلطان الحطاب – عليك مني السلام .. لم اكن اعرف انك سترحل في اليوم التالي وانت في طريقك الى تادية واجب العزاء في الكرك .. هل كنت مستعجلا لتقوم بالواجب ام ان السائر على الطريق بسيارته كان مشغولا بالحياة التي ملأتها اعمال خير وبر وصلة رحم ومعرفة..
تجاوزت الثمانين عمرا وبقيت تتمتع بذاكرة ابن الثلاثين وقد كنت استمع اليك واعقد مع نفسي موعدا ان اعاود اللقاء بك لتتحدث كابن الكرك البار والعارف عن الخليل التي عرفتها وسرت في دروبها وعن كل قرية وشعب وبلدة وجبل وشارع في فلسطين حين كنت تخدم في الضفة الفلسطينية التي كانت جزءا من المملكة ..
حين يختلف حتى الفلسطينيين من اهل البلاد وحتى ممن يقيمون فيها الى اليوم في تحديد موقع قريتهم او حيهم او حتى بساتينهم وساحات ارضهم كنت تقدم معلومات دقيقة .. وحين كان احد الجالسين في خيمة عبد الحي المجالي قريبك من ناحية والدته وانت ابن خالته عن موقع غرب رام الله اسمه راس كركر .. كنت تجيب وتفصل كانك مازلت تقيم هناك.. وفي غير هذا الموقع لك دراية ومعرفة تصل حد تسمية العائلات وعاداتها وتقاليدها وحتى عمل افرادها .. وظل سؤالي من اين لك هذه الذاكرة ومن اين لك كل هذا الحب لتلك البلاد واهلها وهو الحب الذي لم يفتر او يتراجع حتى بعد مرور خمسين سنة على احتلال الضفة الفلسطينية ..
كنت رايت اليوتيوب الذي تحدثت فيه عن الكرك ومكوناتها الديموغرافية ونشؤها الحديث وقد انصفت من تحدثت عنهم فاستقر في نفسي انك مؤرخ مازلت تحترف الرواية الشفوية التي مازالت بحاجة الى تدوين لتنقل من الالسنة والقلوب والوجدان الى الورق..
يتميز الحباشنة انهم يملكون ذاكرة حديدية مشعة ولا تتراجع قدرتهم على الرواية فمن قبل كان الراحل قريبك سلامه الحباشنة والد الباشا معين ووالد عطوفة ماجد الحباشنة يسرد ذكرياته العسكرية قبل الرحيل ويترك مجموعة من الشباب الذين ورثوا عنه الامانة والاخلاص وحب الوطن .. يا ابا عمار.. لو كنت اقرا نظراتك قبل رحيلك بيوم لكنت ادرك انك راحل ولكن من اين تاتيني الحكمة والدراية .. وكيف لي ان اعقد معك موعدا للخميس الذي لن تشهده لاطلب منك وفي نفس المكان خيمة الضيوف لعبد الحي المجالي ان تواصل روايتك الممتدة عن فلسطين .. الارض والشجرة والعائلات والبيوت القديمة .. لم اكن اعلم ان شرودك ونظراتك العميقة وانت تحملق في الجالسين كانت تشي بالوداع..
حين كنت تتحدث في ذكرى بلوغ ابن خالتك عبد السلام المجالي عام التسعين من عمر مديد ..
كان الجامعيون والكتاب من ابناء العائلة يحسدونك على لغتك وعباراتك ومعرفتك وانت الذي لم تمض الا اعوام قليلة في المدرسة بالكاد غيرك بها يفك الحرف ..
ترحل بشكل مفاجيء امام عمل سائق ارعن لم يرحم سنك ولا وقارك . ويسقط من يدك هاتفك الجوال واخر مكالمة فيه مع عبد الحي المجالي تساله عن قدومك الى الكرك للعزاء فيرد عليك وبعد دقيقتين يقع لك الحادث وحينها كان يحاول الاتصال بك ليرد على استفسارك فيرد عليه الشرطي الواقف على الشارع بصوت مريب ” من تتصل به توفي الان في حادث دهس ” فينقلب العزاء الى عزاء اخر وتدمع العيون وترتجف الايادي وتتعرق الجباه.. ابو عمار .. ابو عمار معقول معقول .. ويتسابق الجالسون في ذكرهم لمعرفتك فلقد ظلت سمعتك تشرف من عرفك او تعامل معك ..
ويبقى موعدي معك معلق فانت لم تقفله ولكن القدر الذي اوصى به هو من عطله واعتذر عنك ومنك ..
فلك الرحمة يا حاج محمد عبد المهدي محمد الحباشنة ولابنائك الاوفياء من بعدك عمار وعثمان وعامر والفاضلات من بناتك اعتماد وايمان ولاشقائك جميعا وفي مقدمتهم صديقي العميد المتقاعد حمدي ابو عمر الرجل الذي احبك ولم يفارقك وظل فخورا بك دائم السؤال عنك..
اما صديقي عبد الحي فلم ار عيونه تدمع بحرارة كما راها من نظروا اليه ساعة وصول خبرك..
ستترك الاثر الحميد الذي بقيت تتركه دائما في كل مجالسك ومهماتك. ولكنه هذه المرة اثر سيطول على حساب الذكريات التي رافقت دربك الطويل..
لك الرحمة .. لك المغفرة والجنة
وانا لله وانا اليه راجعون