اذا صحت المعلومات المتداولة عن دفع مئات الطلبة لرشاوى مالية لمدارس عربية في السودان من اجل الحصول على علامات مرتفعة في الثانوية العامة، ثم دفع رشاوى لتسريب اسئلة الوزراة فنحن امام كارثة اخلاقية كبرى في البلد، فالفساد بات مهنة الجميع، قبل ان تكون القصة فقط تشويه سمعتنا امام العالم، وما وصلنا اليه من انحدار.
نحن نقول اذا صحت. حتى لا نتورط بأتهام الطلاب، وحتى تتضح التحقيقات السودانية التي تقول حاليا ان هناك سماسرة اقنعوا طلبة بدفع مبالغ لاتقل عن الفي دولار لكل طالب يدفعها لمدارس عربية، في السودان، من اجل التقدم للثانوية العامة.
المعروف هنا ان المدارس في السودان تضع اربعين بالمئة من علامات الثانوية العامة للطالب، فيما تتولى الوزارة الستين بالمئة من العلامات عبر امتحاناتها، وهذا يفسر الكلام عن دفع رشاوى للمدارس حتى يحصل الطلبة على علامات مرتفعة من جانب المدرسة.
قبل ان ندخل في تحميل المسؤوليات، للتوجيهي الاردني ومصاعبه، وقبل ان نشتبك في حملات ضد كل بنية التعليم لدينا، فإن الاخطر هو تسلل الفساد مثل وباء وسيطرته على الجميع!.
كان الاتهام بالفساد ينحصر بكبار المسؤولين، وبعض الاسماء، والمؤسسات، وكان غالبا ان الشعب يتهم الدولة، وان المواطن دائما هو المظلوم، وهذا ربما يكون صحيحا في حالات محددة، لكننا امام تغيرات جذرية يصير فيها الاتهام بالفساد موجها للجميع، وقد نكون بحاجة لحراكات هذه الايام تهتف ضد فساد العامة، قبل فساد النخب، فقد اختلفت المعادلة.
من الذي يسرق الماء، الى الذي يسرق الكهرباء، مرورا بالذي يدفع رشوى لتمرير معاملة، وصولا الى الزلزال المتعلق بمئات الطلبة الذين يريدون قيادة حياتنا مستقبلا، ويبدأون حياتهم الاكاديمية بدفع رشى للحصول على الثانوية العامة، وهذا كله يقول: ان الفساد بات ثقافة عامة، على ذات الطريقة التي نراها في دول عربية اخرى حين تعتبر مجرد شطارة او فهلوة.
هل أدى تورط اسماء كبيرة في ملفات فساد، او يأس الناس من محاربة الفساد، الى ارتداد شعبي بحيث بات غير الفاسد مجرد شخص ساذج، تضيع عليه حياته، ام ان تقليد الفاسدين هنا يعبر عن حل اخير يلجأ اليه بعض الناس جراء ظروفهم، ام ان الانسان في المطلق لديه استعداد للفساد، صغيرا أكان ام كبيرا؟!.
قصة طلبة السودان، لو حدثت في دول اخرى، لما مرت مرور الكرام، ولأحدثت هزة كبيرة داخل كل المؤسسات امام الخطر المتمثل في دفع مئات الطلبة وعائلاتهم لرشاوى، وقبول الجميع للمبدأ بذريعة ان الرغبة بالنجاح غير ممكنة بالاردن، فنحن امام كارثة بنيوية اخلاقية، تقول، ان كل شيء بات مباحا من اجل الوصول الى الهدف.
ثقافة الفهلوة لم تعد تقف عند هذه الحدود، فممارسة الفساد بشكل عام، باتت واضحة، بأشكال وانماط مختلفة، من سائق التاكسي الذي يشترط اضافة مالية على عداد سيارته، وصولا الى الكهربائي والميكانيكي الذي يسرق قطع سيارتك، او يدعي خرابا غير موجود، لنهب جيبك، وصولا الى كل الاشكال التي نراها في حياتنا، وهي اشكال تتكامل مع الرشى الصغيرة والكبيرة، لتشكل هدما خطيرا لمحرمات دينية واجتماعية، كانت سائدة بيننا.
من اسهل الاتهامات التي قد تقال هنا، ان الكبار فسدوا، فلحقهم الصغار، وهذا تبرير اسوأ من الفساد ذاته، ولايريد ان يعترف ان بنيتنا الاجتماعية تغيرت في العمق، جراء اسباب كثيرة، وهذا التغير يتسارع، يوما بعد يوم، وينزع للاسوأ، ولم تتولد كل هذه الامراض برأيي لولا الفقر والخلخلة الاجتماعية التي تولد اليوم، كل الاثار الجرمية الجانبية، في ظل غياب الرادع الاخلاقي والديني المتمثل بالوالدين والمدرسة والمؤسسة الدينية، فنحن امام تغير مفتوح، بلا ضوابط اخلاقية.
بدلا من التوقف عند فكرة معاقبة الطلبة بعدم الاعتراف بالثانوية العامة المشتراة من السودان وحسب، علينا ان نقرع جرس الانذار بخصوص ماهو أخطر.
….الى اين نذهب ولماذا نتغير بهذه الطريقة، ولماذا لم نعد نحن ؟!.