ليس جديدا وقوع مواجهات عسكرية دامية بين الفصائل المسلحة في عموم سورية، وفي المناطق الجنوبية من البلاد؛ درعا وريفها الممتد على طول الحدود مع الأردن. الجديد والمقلق فيما توثقه التقارير الصحفية، هو في كون تنظيم “داعش” الطرف الثاني في المواجهة مع فصائل محسوبة على الجيش السوري الحر.
مقاتلو “داعش” سيطروا بالفعل على بلدات مهمة في ريف درعا، وتدور بينهم وبين فصائل مناهضة معارك كر وفر يوميا. لكن في المحصلة، أصبح لداعش أكثر من موطئ قدم في المناطق القريبة من الحدود الأردنية، لا بل إن كتائب من أبناء حوران بايعت التنظيم الإرهابي، وتقاتل تحت رايته.
هذا المتغير كان حتى وقت قريب خطا أحمر بالنسبة للأردن، عمل على الدوام على عدم السماح بتخطيه. لكن الجبهة الجنوبية شهدت في الأشهر القليلة الماضية خلطا عجيبا للأوراق، بات من الصعب معه تمييز خطوط الجبهات وهوية القوى المسيطرة. وقبل أن يظهر “داعش” في درعا، كانت قوات الجيش السوري وبدعم من القاذفات الروسية، قد كسرت حالة “الستاتيكو” في الجنوب السوري، فتراجعت ثقة الأردن بضمانات “الحليف” الروسي.
لكن ما حصل من تطورات على هذا الصعيد يبقى مستوعبا بالنسبة للأردن، ولا يقارن مع المخاطر الأمنية المترتبة على استيطان “داعش” في مناطق لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن الأراضي الأردنية.
لم يكن هذا المتغير الخطير ناجما عن تقدم ميداني لمقاتلي “داعش” وزحفهم من مناطق سيطرته؛ فالتنظيم يعاني من حالة تقهقر ملموس، ويخوض معارك دفاع عن النفس في تدمر وسواها من مناطق سيطرته. لكن ما حدث كان بفعل تبدلات داخل القوى المتواجدة أصلا في محافظة درعا والبلدات المحيطة، وانهيار التشكيلات التقليدية للمعارضة “المعتدلة” التي كانت على صلة وثيقة بالأردن.
بمعنى آخر؛ نشأ ما يمكن وصفه بفراغ فصائلي، سارعت الكتائب الموالية لتنظيم “داعش” إلى ملئه.
المجموعات التي تقاتل “داعش” حاليا ما تزال قادرة على تحقيق مكتسبات معقولة. وربما يكون ذلك ناتجا عن دعم خارجي. لكن مقاتلي “داعش” لن يستسلموا بسهولة، ويملكون من القدرات العسكرية ما يمكنهم من الإجهاز على خصومهم؛ هكذا كانت الحال في أغلب المعارك التي خاضوها في سورية والعراق. وعندما يتمكنون من الأرض يصعب اقتلاعهم بعد ذلك، ولنا في الرقة وتدمر والموصل والفلوجة والرمادي خير أمثلة.
لا شك أن الأردن وأجهزته العسكرية والاستخبارية على معرفة دقيقة بالتطورات على الجانب القريب من حدوده، ويتابع عن كثب المواجهة بين فصائل الجيش الحر ومقاتلي “داعش”، ويملك تقديرا للموقف، وفيما إذا كان بمقدور هذه الفصائل أن تحول دون تمكن “داعش” من السيطرة والاستحواذ في درعا وريفها.
ونحن هنا أمام تحد لا يحتمل هامشا ولو بسيطا من الأخطاء. وقد يستدعي تقدير المخاطر تدخلا أكثر فعالية لقطع الطريق على أي احتمال بتمدد نفوذ الجماعة الإرهابية قرب أراضي المملكة.
الهدنة في سورية صامدة بفعل التفاهم الروسي-الأميركي. لكن الحرب على الجماعات الإرهابية لم ولن تتوقف. وإذا صار بالإمكان اليوم توقع نهاية “دولة” التنظيم الإرهابي، فإن واجب الدول المعنية والأردن بالدرجة الأولى أن لا تسمح بولادة “جيب” إرهابي في جنوب سورية. هذه لحظة اختبار لمدى تمسكنا بالخط الأحمر.