من جديد، يضرب الإرهاب في قلب أوروبا، وينجح في اختراق أكثر المواقع حساسية في بروكسل؛ مركز قيادة حلف “الناتو” وعاصمة الاتحاد الأوروبي.
في ذروة التأهب الأمني، وبعد أيام قليلة على وقوع صلاح عبدالسلام؛ العقل المدبر لتفجيرات باريس، بيد قوى الأمن البلجيكية، يتسلل إرهابيون إلى صالات المسافرين في المطار والمترو، وينفذون تفجيرين انتحاريين يخلفان عشرات الضحايا.
فشل أمني مريع بعد ضربة ناجحة نالت عليها بلجيكا ثناء الأوروبيين وتهانيهم، يكشف بما لا يدع مجالا للشك أن بلجيكا ليست مجرد ممر للخلايا الإرهابية، بل موطن وهدف لها.
لكن العملية الإرهابية في بروكسل تعزز النظرية التي سادت بعد تفجيرات باريس، ومفادها أن التنظيم الإرهابي “داعش” قرر نقل معركته خارج “أراضيه”، لتشتيت الجهد الدولي لمحاربته. وتدعم عملية اسطنبول الإرهابية هذه النظرية.
“داعش”، ووفق وصف أحد المحللين الغربيين، في حالة “جثوم دفاعي” حاليا في مناطق سيطرته في سورية والعراق. وبدأ يخسر الأرض تدريجيا في بعض مناطق العراق، فيما يقترب من خسارة مدينة تدمر السورية التي تخضع حاليا لحصار مشدد من القوات السورية.
ومن تسلسل العمليات الجغرافي، يمكن للمرء أن يرسم طريق الإرهابيين من تركيا حيث يضرب التنظيم، وصولا إلى بروكسل وباريس، وربما عواصم غربية أخرى لم يفلح التنظيم بعد في ضربها.
ونحن هنا في الواقع نتحدث عن طريق اللاجئين الفارين من ويلات الحرب في سورية إلى أوروبا. ومثلما أظهرت تفجيرات باريس، تسلل بعض الإرهابيين إلى أوروبا تحت غطاء اللاجئين. وتشير التحقيقات الأولية إلى أن جنسية منفذ تفجير مطار بروكسل عربية، ربما يكون وصل العاصمة البلجيكية ضمن موجات اللجوء غير الشرعي لأوروبا.
كان القبض على صلاح عبدالسلام حيا بمثابة كنز للسلطات الأمنية الأوروبية. لكن صلاح، على ما يبدو، نجح ومن سجنه بمشاغلة قوات الأمن بمعلومات قديمة تخص تفجيرات باريس، ليمنح رفاقه فرصة التحرك وتنفيذ العملية المزدوجة في المطار ومحطة القطارات.
نجاح يبعث على القلق حيال قدرة السلطات الأوروبية على احتواء موجة الإرهاب الضاربة؛ ففي الوقت الذي يهتز فيه “عرش” التنظيم الإرهابي في سورية والعراق، تأتي عملية بروكسل لترفع من معنوياته، وتمنح مقاتليه الأمل بمواصلة الطريق.
بعد ساعات قليلة على الهجومين في بروكسل، أعلن رئيس وزراء بلجيكا أن بلاده في حالة حرب حقيقية. نظيره الفرنسي سبقه لنفس العبارة قبل نحو أربعة أشهر، وذهبت فرنسا أبعد من ذلك بإعلان حالة الطوارئ في خطوة غير مسبوقة منذ عقود. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن الحرب على الإرهاب. تونس فعلت الشيء ذاته، ومصر ودول أفريقية، ومن قبل ومن بعد دول الخليج العربي والعراق، وفي أرجاء القارات كافة. لكن رغم إعلانات الحرب “العالمية” المتتالية، هناك من يتحفظ بعد على وصفها بالحرب الكونية، ولا يرى في شرورها خطرا يهدد العالم، ويستحق وقفة بحجم التحدي.
إن لم نأخذ المواجهة مع الإرهاب على محمل الجد، فإن الملايين حول العالم سيبكون دما ودموعا.