الانسحاب الروسي أردنيا/ جمانة غنيمات

مثّل الوضع على الجبهة الجنوبية لسورية واحدا من أبرز أسباب قلق الأردن خلال الفترة الماضية، لاسيما مع تنصل موسكو من اتفاق مسبق مع المملكة بعدم العبث بهذه المنطقة، وإبقاء الحال فيها على ما كانت عليه قبل التدخل العسكري الروسي.

إذ خلال الأشهر الخمسة الماضية، تغيّرت الحال في جنوب سورية بسبب توسع العمليات العسكرية الروسية نحو هذه المنطقة، الأمر الذي أثار مخاوف أردنية محقّة من وجود مقاتلين لحزب الله، كما أنصار لـ”الحشد الشعبي” وسواه من مليشيات عراقية، على الحدود الأردنية الشمالية.

وزاد الحال سوءا تقهقر قوى المعارضة السورية المعتدلة التي يرتبط الأردن معها بعلاقات طيبة في تلك البقعة، لحساب احتمالية بروز قوى متطرفة. هذا بالإضافة إلى مخاوف كبيرة من موجات نزوح ضخمة للسوريين، بمئات الآلاف، نحو الحدود الأردنية، نتيجة للعمليات العسكرية في درعا ومحيطها، وسيطرة النظام وحلفائه على أجزاء منها بغطاء جوي روسي.

الآن، فإن الانسحاب الروسي المفاجئ للجميع، بمن في ذلك بعض رجالات فلاديمير بوتين المقربين، سيلقي بظلاله على المنطقة الجنوبية. والقرار المتزامن مع هدنة يبدو أنها ستصمد رغم الانتهاكات المستمرة لها، يجعل ممكناً توقع أنه لن يكون هناك مزيد من التمدد للنظام وحلفائه في المنطقة، وهو التمدد الذي يشكل -بحكم تبعاته، كما لكونه يستند إلى مليشيات مدعومة إيرانياً- أحد أسباب توتر الأجواء أردنيا. هذا مع الاعتراف بأن الانسحاب الروسي لا يمنع نهائياً وقطعياً التهديد القادم من الواجهة الشمالية، بل ثمة مشروعية لتوقعات بإمكانية تزايد التواجد الإيراني هناك لتغطية الغياب الروسي، الأمر الذي قد يفاقم الاقتتال بين فصائل المعارضة وقوات النظام وحلفائه، لاسيما إن حاولت هذه الفصائل استرداد مناطق نفوذها التي فقدتها في ظل دعم “السوخوي”. فوق ذلك، ستبقى سورية بوابة للخطر طالما لم تضع الحرب فيها أوزارها، وتحديداً على صعيد تواصل محاولات بعض أعضاء التنظيمات الإرهابية العبور للمملكة.

رغم ذلك، فإن في الانسحاب الروسي منافع جلية للأردن. تتمثل إحداها في التوقع المنطقي بتكثيف الحرب على تنظيم “داعش”، ومختلف التنظيمات الإرهابية الأخرى، خصوصاً أن هذه التنظيمات لم تكن هدفا أساسيا للضربات الجوية الروسية، بل كان “داعش” تحديدا بمنأى عن هذه الضربات، بحسب كل التقارير المتعلقة بهذه المسألة. ومن ثم، فإن سحب الجزء الأكبر من القوات الروسية في سورية، مع استمرار دور المتبقي منها، في قاعدتي حميميم وطرطوس تحديداً، في محاربة “داعش”، ربما يدعم جهود الأردن على هذا الصعيد. وهذه منفعة كبيرة؛ إذ إن مخاطر “داعش” وأشباهه لا نهاية لها على أمن المنطقة، والأردن أحد أبرز المستهدفين بجرائم الإرهاب، كما أكدت عملية إربد قبل فترة وجيزة.

يضاف إلى ذلك طبعاً المنفعة الأخرى “المأمولة”؛ وهي أن تساهم مغادرة الروس عسكرياً في الدفع نحو بلورة حل سياسي للأزمة السورية التي دخلت عامها السادس. فالانسحاب قبيل انطلاق “جنيف 3” بساعات، يعد عامل تقليص لغرور نظام الأسد وتعنته الذي تنامى بوجود الروس. وفرص الحل السياسي بحد ذاتها -وعدا عما سيترتب عليه منطقياً من مكاسب اقتصادية واجتماعية وسياسية للأردن- تدعم وجهة النظر الأردنية التي طالما أكدت أن نهاية “حرب الوكالة” في سورية لن تكون إلا بأداة سياسية.

الأردن يبقى في وضع مريح نسبيا في علاقته باللاعبين في سورية. والهدنة “المفتوحة المدة” ستعطيه أيضا الفرصة لأن يقدم رؤيته في ظل أجواء أكثر هدوءا، واتزان أكبر لمختلف الأطراف الفاعلة في الأزمة.

لكن تبقى مسألة انسحاب القوات الروسية مرحلة من مراحل الصراع في سورية، تماماً كما كان قرار موسكو بالتدخل العسكري المباشر في هذا البلد، بين ليلة وضحاها. وبالتالي، فإن القرار الروسي الجديد لا يضع تلقائياً نهاية للحرب في سورية، والتي هي أصل التحديات التي تواجه الأردن واستقراره على حدودنا الشمالية.

لكن، لا بد من القول إن قراءة أسباب ونتائج قرار بوتين المفاجئ تبقى مسألة حمّالة أوجه، وفي غاية التعقيد.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري