مفاجأة بوتين المدوية/ فهد الخيطان

لم يستوعب حلفاء موسكو وخصومها في سورية بعد قرار الرئيس فلاديمير بوتين المباغت بسحب معظم قواته العسكرية من سورية. النظام السوري يقول إن القرار منسق بين الطرفين، لكن وسائل إعلامه تؤكد أن الأمر لم يكن كذلك أبدا. قيادات المعارضة السورية المشاركة في مفاوضات جنيف فوجئت هي الأخرى بالقرار. وواشنطن شعرت بالغموض لساعات، ثم علمت بالتفاصيل لاحقا؛ تأنّت ثم رحبت بالخطوة.

بوتين صانع المفاجآت يمارس هوايته من جديد، ويقلب التوقعات؛ فاجأ العالم بقراره التدخل عسكريا في سورية، وصدمه بقرار الانسحاب بعد أشهر.

حاول الجانبان الروسي والسوري تبرير قرار الانسحاب بثلاثة أسباب: تقدم القوات السورية بفضل القصف الجوي الروسي واستعادة السيطرة على مناطق واسعة؛ ووقف الأعمال القتالية بعد الاتفاق الروسي-الأميركي على الهدنة؛ وبدء عملية المصالحات على نطاق واسع في مناطق النزاع.

صحف موسكو، وفي معرض شرحها لمبررات القرار، لا تأتي على ذكر أي من الأسباب التي وردت في البيان الروسي أو السوري. بصريح العبارة تقول إن الهدف من الحملة العسكرية في سورية كان، بالدرجة الأولى، التقارب مع الغرب وفك عزلة موسكو بعد أزمة أوكرانيا وليس إنقاذ الأسد، وقد تحقق هذا الهدف. وبدرجة ثانية إطلاق عملية سياسية تفضي إلى حل الأزمة السورية، وقد انطلقت العملية بالفعل، ولم يعد هناك مبرر لبقاء القوات “الإضافية” في سورية.

لا تقنع مثل هذه التبريرات المقربين من النظام السوري، وثمة شعور لديهم بالخذلان من بوتين. أكثر التوقعات واقعية تلك التي ترى في الخطوة الروسية تسهيلا مدروسا للحل السياسي وعملية المفاوضات في جنيف. وبهذا، يكون بوتين قد سحب ورقة من يد المعارضة السورية وحلفائها الإقليميين والغربيين، والذين ادعوا على الدوام أن التدخل الروسي يدفع النظام السوري إلى التشدد في مواقفه. ويزكي هذا التحليل الكاتب الصحفي اللبناني القريب من دوائر صنع القرار السوري سامي كليب، فيما كتب بصحيفة “السفير” اللبنانية أمس.

ليس دقيقا القول إن التدخل الروسي قد حقق أهدافه في سورية؛ فتنظيم “داعش” ما يزال يسيطر على ثلث أراضي البلاد، و”النصرة” تستحكم في مواقع استراتيجية، وفصائل المعارضة الأخرى قادرة على العودة إلى ميدان العمليات من جديد.

بقدر ما توفر من تفسيرات للقرار الروسي وخلفياته، فإن الأسئلة الكبرى ما تزال بلا إجابات.

هل يعني قرار روسيا بالانسحاب أن عملية المفاوضات ماضية إلى اتفاق أكيد؟ وماذا سيكون موقف موسكو لو انهارت الهدنة وعادت الأطراف إلى ميدان القتال؟

هل ثمة اتفاق بالتخلي عن الرئيس السوري بشار الأسد، في إطار تسوية دولية كبرى جرى طبخها في الغرف المغلقة بين واشنطن وموسكو؟

الشيء الوحيد الذي يمكن الجزم به، هو أن موسكو وواشنطن، ومن خلفهما دول الإقليم، لن تسمح لتنظيم “داعش” بقطف ثمار القرار الروسي. وقد تشهد الأسابيع المقبلة حملة عسكرية حاسمة للقضاء على ولاية “داعش” في الرقة وغيرها من المناطق، باعتبار ذلك شرطا لا بد منه لنجاح العملية السياسية.

روسيا لن تتخلى عن مصالحها في سورية، وستبقي على قواعدها العسكرية هناك. لكنها في المقابل تبدو مستعدة لصفقة سياسية، حتى لو كان الثمن رأس النظام السوري.

Related posts

الكنيست الإسرائيلي يصدر سلسلة من القرارات العنصرية الجائره بحق الفلسطينيين* عمران الخطيب

السمهوري: ما حدث في إمستردام من هتافات وتحريض على القتل… جريمة تحريض ودعم لحرب الإبادة التي تشنها اسرائيل

عيوب ومثالب في (دراسات حول المناهج المُطوّرة)* الدكتور هايل الداوود