ثمة أكثر من قراءة مطلوبة وضرورية للاعتصام المفتوح لطلبة في الجامعة الأردنية، منذ ثلاثة أسابيع؛ احتجاجاً على رفع رسوم برنامجي “الموازي” و”الدراسات العليا”. إذ من الخطأ الفادح أن تقتصر رؤية الحكومات لما يحدث بوصفه “أزمة داخل” الجامعة الأردنية، وتُترك الدلالات المهمة والخطيرة التي ترسل “إنذاراً شديد” اللهجة للمسؤولين حول الوضع الاقتصادي الاجتماعي في البلاد.
هذه الرسالة هي للمسؤولين والوزراء ونحن برسم الدخول في برنامج اقتصادي جديد مع صندوق النقد الدولي، بما يتضمه هذا البرنامج من رفع متوقع لتعرفتي الكهرباء والماء وسواهما من الخدمات الأساسية. وقد يراهن مسؤولون عديدون على أنّ الظروف الأمنية الإقليمية المحيطة وقلق الناس مما يحدث حولنا، سيدفع بالشارع إلى القبول بالإجراءات الجديدة، من دون المرور بمنعرج احتجاجات شديدة، كتلك التي حدثت مع رئيس الوزراء الحالي، عندما عاد إلى سياسة تعويم أسعار المحروقات.
الاحتجاجات الحالية في الجامعة الأردنية تدفع إلى إعادة تقييم وقراءة الحالة الشعبية أو المزاج العام للمجتمع تحت ضغط الظروف الاقتصادية القاسية، ليس فقط مع تخلّي الدولة عن أدوارها الاجتماعية والاقتصادية عموماً، تجاه الطبقات العامة.
الإنذار يقول إنّ المواطن لم يعد يحتمل، وإنّ التفكير دوماً بجيبه ليس إنجازاً عظيماً يسجل لرئيس الوزراء الحالي! وذلك بالرغم من إدراك المواطن الأردني لأهمية الاستقرار السياسي والأمني، والشعور بالقلق والرعب مما يحدث في المنطقة، وقدرة هذا المواطن على فهم حجم الأزمة المالية الداخلية، وعبء أزمة اللاجئين، وضعف قنوات الاستثمار التي تتيح خلق قطاع خاص يخفف من الأزمات الاقتصادية الكبرى، وتبعاتها المتمثلة خصوصاً في الفقر والبطالة.
في مذكّرة لـ”مجلس الشؤون الخارجية” بالولايات المتحدة الأميركية (CFR)، في العام 2013، حول “عوامل عدم الاستقرار السياسي” المحتملة في الأردن، ذُكرت عوامل داخلية مرتبطة بالحرمان الاجتماعي والانطباع بوجود الفساد وبطء مشروع الإصلاح السياسي والخصخصة الاقتصادية، بما أثّر على القاعدة الاجتماعية للدولة.
وقد قام الباحثان روبرت ساتلوف وديفيد شنكر، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، بتطوير تلك المذكّرة مؤخراً، في مقال بعنوان “الضغط المتنامي على الأردن”، لإضافة موضوع اللجوء السوري وما يلقيه من أعباء اقتصادية وأمنية على المملكة بوصفه تحدياً كبيراً جديداً.
المقصود، هنا، أنّه من الضروري أن يفكّر المسؤولون اليوم بالترابط العضوي بين الأمن الوطني والوضع الاقتصادي الاجتماعي. فاليوم، مصدر القلق الداخلي لا يقل، بل يتجاوز كثيراً مصادر القلق الخارجية، مع ضرورة وجود رسالة قوية عميقة من الدولة باهتمامها بالمواطنين وبمحاولة توزيع النفقات والموارد بصورة توازن بين الشرائح الاجتماعية المختلفة.
الرسالة السياسية والإعلامية ما تزال مشوشة مرتبكة من الدولة، غير مصاغة بشكل عميق يتوافر على المصداقية والشفافية. وربما هذا يمثّل أحد العوامل المؤثّرة جداً في المزاج الاجتماعي العام، والموقف السلبي من الحكومة لدى شريحة واسعة من المجتمع!
لذلك، على مسؤولي الدولة إعادة النظر في تبنّي ما روّجه رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، بأنّه يستطيع تمرير رفع الأسعار، مع تحمل المسؤولية كاملة شخصياً، وبكلف أمنية وسياسية محدودة. فذلك ليس نجاحاً، ولا يحتاج إلا لرئيس وزراء يغلق أذنيه ولا يسمع لصوت الشارع ولا للأغلبية المتأذية من الحالة الاقتصادية!
رجل الدولة الحقيقي؛ المسؤول الذي يخدم الدولة والأمن الوطني، هو الذي عندما يتخذ القرار الصعب يدرك المواطنون بأنّه طبيب، وأنّه شريك لهم بالغنم والغرم. فهنا ينجح بالعبور بالدولة بأمان وسط حقول الألغام. أمّا رفع الأسعار مع الفشل في بناء رسالة الدولة، ومن دون الوصول إلى حوار معمق مع المجتمع والشارع والطلبة والبقية، فهو فشل بامتياز على المدى البعيد!