الانتخابات بما هي تفاعلية اجتماعية رمزية/ إبراهيم غرايبة

يرى عالم النفس الاجتماعي، الأميركي جورج ميد، أن هناك علاقة تبادلية بين الذات والمجتمع. فالمجتمع هو حصيلة تفاعل مستمر بين العقل البشري والنفس البشرية، كما أنهما يتشكلان أصلا عن طريق التفاعل؛ أي من خلال “التنشئة الاجتماعية” التي تعد مفهوما مركزيا عند ميد، و”التفاعلية الرمزية” لأن لها القابلية على صياغة سلوكنا في ضوء ما يتوقعه الآخرون منا.

لا يتشكل المجتمع على نحو تلقائي بمجرد وجود ساكنين أو مقيمين أو مواطنين يعيشون معا. فالمجتمع ليس مجموع الأفراد، وإنما كيان مختلف وإن كان يتشكل منهم. وفي الواقع، يتشكل المجتمع من تفاعلهم وعلاقاتهم ووعيهم، وليس من الأفراد كأشخاص. فلا مجتمع بلا منظومة ثقافية اجتماعية تدل عليه، مثل التنظيم الاجتماعي والعمارة والشعر والموسيقى. وكما أن الحياة يستدل عليها بالأحياء، فإن المجتمعات يستدل عليها بوعي الذات. وبذلك، فإن سلوك الأفراد والمجتمعات تنشئها عمليات الاتصال بين الأفراد بعضهم ببعض وبين الأفراد والمجتمعات.

على هذا الأساس، لا يمكن تطوير الانتخابات وتفعيلها إلا بتحولها إلى عملية اجتماعية تعكس ما يتوقعه الأفراد والطبقات والجماعات من بعضهم. لكن، هل تحولت الانتخابات إلى جزء من التنشئة الاجتماعية والرموز الثقافية على نحو يمكّن من إدراجها، مثلا، في العادات والتقاليد والقيم والأعراف والعلاقات الاجتماعية وإدارة المصالح؟

الواقع أن الانتخابات في بلادنا تؤشر إلى قدرة أو عجز المواطنين عن التفاعل مع المجتمع والانتماء إليه والمشاركة فيه. وقصة “الغجر” ببساطة هي عجز الذين هاجروا من بلادهم إلى بلاد جديدة عن الاندماج والانتماء. أما الذين اندمجوا في المجتمعات التي استوطنوها فلم يعودوا غجرا.

أما قصة “داعش” و”القاعدة”، فهي الخروج على المجتمع. وبين الخروج على المجتمع والخروج منه تدور قصة الناس في التفاعل. فإن لم تكن قادرا على التفاعل مع المجتمع؛ تشاركه وتنتمي إليه ويتقبلك وتتقبله،. فإنك تخرج منه أو تخرج عليه.

الظاهرة بالطبع لا تقتصر على الغجر و”داعش”، ولكنهما حالتان صارختان، يوجد بينهما عدد كبير من الناس، وبنسب متفاوتة من الخرج/ التهميش، ربما يزيدون على 3 مليارات شخص.

لكنْ هناك ظاهرتان مرعبتان في الخروج لا تقلان في خطورتهما عن “داعش”، وهما الخروج الإرادي. أولاهما، خروج نخبوي مستمد من قدرات مالية كبيرة ونفسية استعلائية أو انعزالية. والأخرى، خروج جمعي يتمثل في السلبية تجاه المجتمع المحيط وقضاياه والاستعلاء عليها، وإنشاء حالة هلامية تعويضية لا تمنح انتماء حقيقيا، ولكنها عمليات انفصال عن الواقع. ومن هذه الفئة بعض الجماعات الدينية والاجتماعية التي تنشئ انتماء خاصا بها ليس كافيا ولا حقيقيا، لكنه يخرجها من المجتمع الحقيقي والأصلي.

ويمكن في سياق التفاعل الرمزي ملاحظة وتأمل ظواهر مدهشة ومحيرة قليلا؛ إسلاميون وقوميون ويساريون يتخذون مفاهيم ومواقف نفسية واجتماعية متطابقة من قضايا وأفكار يفترض أن فهمها وتفسيرها وحتى تسميتها يجب أن يكون مختلفا حسب منطلقات التفكير والاعتقاد. والمحير هو لماذا، إذن، يكونون أعداء أو مختلفين فيما بينهم؟ أظن أن ما يزيل الحيرة أنها مواقف في جوهرها ودوافعها ليست إسلامية ولا قومية ولا يسارية… ولكنها حالة نفسية واجتماعية مستمدة من مستوى التفاعل مع المجتمع المحيط والأحداث، من دون إدراك لذلك أو من دون اعتراف.

إن الانتخابات يفترض أن تعبر عن إرادتنا بالاندماج وكسر حلقات التهميش الاجتماعي والاقتصادي، أو بعبارة عملية أن نسعى لأجل حياة أفضل لنا ولأبنائنا وللأجيال من بعدنا. فقد جئنا إلى الدنيا تسبقنا المصاعب، وجاء أبناؤنا تسبقهم مصاعبنا ومصاعب جديدة إضافية. وعندما يكون أولادنا في حال أكثر صعوبة من حالنا، يعني ذلك ببساطة أننا لا نتقدم! وطبعا هذا كلام لا جديد فيه ولا يضيف إلى أحد شيئا. لكن ما يمكن قوله هنا هو أن فئة من المواطنين تحظى بفرص ومزايا خرافية لدرجة تعزلهم عن المجتمع أو تحولهم إلى مجتمع آخر، وفئة تواجه حرمانا وتهميشا يخرجانها أيضا من المجتمع. الجديد والمرعب هو الخروج من المجتمع… أو الخروج عليه.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري