ليس غريبا أن تتوافق الدول العربية على اختيار الوجه الدبلوماسي الأخير لنظام حسني مبارك، وزير الخارجية المصري الأسبق أحمد أبوالغيط، أمينا عاما للجامعة العربية؛ فالحنين إلى تلك المرحلة جارف وغامر في أوساط الجامعة والقوى المتنفذة فيها.
كان أبوالغيط مدرسة في الدبلوماسية العاجزة والمترددة. شخصية قليلة الحيلة، أمضى سنواته السبع في وزارة الخارجية المصرية مبررا سلوك نظامه، وساعيا بجد إلى تعميمه نموذجا عربيا، وكان له ما أراد. فكان النظام العربي، ممثلا بمؤسسته الرسمية، نسخة طبق الأصل عن نظام مبارك؛ مؤسسة بليدة وبيروقراطية لا تقوى على مواجهة أبسط التحديات والأزمات العربية، وأداة طيعة بيد نظام مبارك استثمرها خير استثمار في أزمة الخليج خدمة لمصالح ضيقة.
وحتى وقت قريب، كان الاعتقاد بأن نظام مبارك ورموزه أصبحوا من الماضي. أبوالغيط تحديدا توارى عن الأنظار واختار العزلة بعد أن تقدم به العمر، وودع الحياة السياسية بكتابة مذكراته. وأظن أن الرجل لم يكن يفكر أبدا في العودة للعمل السياسي، لولا أن المتنفذين في الجامعة العربية طرقوا بابه واستدعوه من عزلته، في تعبير صريح وصارخ عن الرغبة القوية في العودة بالجامعة العربية إلى ذلك الزمن الذي لم تغادره أصلا في عهد نبيل العربي؛ الحكواتي الممل، والدبلوماسي المتلون.
أن يكون أمين عام الجامعة العربية مصريا فهذا ليس سببا للاعتراض؛ مصر دولة عربية كبرى، ولها تاريخ طويل في احتضان العمل العربي المشترك ومؤسساته. لكن إن لم يتوفر مرشح مصري بوزن المرحلة وتحدياتها، فما المشكلة في البحث عن بديل من غير دولة عربية؟ الساحة العربية تزخر بالكفاءات الدبلوماسية والشخصيات القادرة على إدارة الجامعة باقتدار يغير من صورتها في عيون الشعوب العربية.
ولهذا، أعتقد أن اختيار أحمد أبوالغيط “المصري” لم يكن التزاما بتقليد دأبت عليه الدولة العربية، وإنما لسبب آخر يتمثل في كونه رمزا لنظام مبارك، في خطوة مكشوفة لإعادة الاعتبار لرموز تلك المرحلة، وتكريمهم بالمناصب العربية بعد أن خلعتهم شعوبهم.
ستكون الجامعة العربية في زمن أبوالغيط أداة طيعة في يد القوى المهيمنة، تأخذها حيث تشاء وتستخدمها كيفما تريد، لتزيد العالم العربي انقساما واستقطابا.
مؤسسة الجامعة العربية كانت في أمسّ الحاجة لثورة تصلح بنيتها وميثاقها وأدوات عملها. ثورة يقودها جيل جديد من السياسيين والدبلوماسيين العرب المؤمنين بالتغيير والإصلاح، لإنقاذ آخر ما تبقى من مظاهر العمل العربي.
لكن أصحاب القرار في العالم العربي لا يرغبون في ذلك؛ يريدونها كما كانت منذ زمن؛ مؤسسة عاجزة تمثل كل ما هو قديم وبالٍ في السياسة العربية. وأفضل من يقوم بهذه المهمة هم رجال نظام مبارك.
سيتبوأ أبوالغيط المنصب الرفيع، ومن حوله ديناصورات من المساعدين والمستشارين أمضوا في مواقعهم عقودا طويلة.
الجامعة العربية في حالتها الراهنة لا يليق بها غير أبوالغيط؛ فهي لم تغادر زمنه، وكان لا بد أن تعود إليه.