“قلّع شوكك بإيدك”!/ محمد أبورمان

تبنّت مذكرة نيابية مطالب عشرات من طلبة الجامعة الأردنية الذين يعتصمون أمام مبنى الرئاسة احتجاجاً على رفع الرسوم لطلبة الموازي والدراسات العليا، ويتعاطف معهم زملاؤهم عبر مظاهرات ومسيرات داخلية مؤيدة في حرم الجامعة.

ليس الرئيس الحالي، بل أي رئيس جامعة قادم سيجد نفسه أمام تراكمات كبيرة من الاختلالات التي نجمت عن ثلاثة أسباب جوهرية، انعكست على الجامعات الحكومية جميعاً.

السبب الأول، هو الدور الذي لعبته الحكومات والنواب في الزج بأعداد كبيرة من الموظفين لأهداف سياسية في الجامعات، وبخاصة في جامعات الجنوب التي تعاني من أزمات مالية كبيرة.

والثاني، الانفلات في حجم الطاقة الاستيعابية للجامعات في قبول الطلبة، ومضاعفة حجم “الكوتات” ليصبح في بعض الأحيان عدد المقبولين من خلالها يتجاوز المقبولين عبر “القبول الموحّد”.

والثالث، الارتجال والعشوائية والحسابات الشخصية في اختيار الإدارات الجامعية وتغييرها، إذ كان يخضع، في كثير من الحالات، لأمزجة وزراء ومسؤولين، وليس لأي اعتبارات أكاديمية مستقلة معتبرة.

وبالرغم من أنّ المعايير اختلفت، نظرياً، عبر عملية التقييم، إلاّ أنّ الأمور ما تزال تدار بصورة فيها قدر كبير من المزاجية والارتجالية، مما يضعف استقلالية الجامعات.

بالنسبة للجامعة الأردنية تحديداً، كانت المشكلة أكبر بكثير. إذ بسبب التغيير المستمر في رؤساء الجامعة، وغياب المؤسسية الرقابية الداخلية، المتمثلة في مجلس الأمناء، في الأعوام السابقة، فإنّ الجامعة أصبحت تعاني من عجز مالي كبير خلال الأعوام الأخيرة، بعد أن كانت تدير ميزانيتها بنجاح. وهي الأزمة التي تعامل معها الرئيس الحالي، د. خليف الطراونة، بنجاح، فأعاد التوازن إلى الميزانية.

هدفت إدارة الجامعة من خلال رفع الرسوم، إلى تغطية نفقات مهمة وضرورية في المرحلة المقبلة، لإعادة تأهيل جزء كبير من البنية التحتية في الجامعة، مثل المختبرات والأدوات والقاعات، إذ من يعرف الجامعة الأردنية يعلم تماماً أنّ جزءاً كبيراً من البنية التحتية لم يعد صالحاً ولا مناسباً للعملية التعليمية، فضلاً عن عدم القدرة على التطوير وشراء الحاجيات الضرورية بسبب عدم وجود المصادر المالية الكافية.

كانت الإدارة تحاول، من خلال رفع الرسوم الحالي، تجنب النسبة العظمى من طلبة البكالوريوس، والتركيز على طلبة الدراسات العليا و”الموازي” (خارج قوائم القبول الموحّد). إلاّ أنّه حتى هذه الشريحة من الطلبة لا تستطيع أن تتكيّف مع هذا الارتفاع الكبير في الرسوم، بخاصة الذين يرغبون في إكمال دراساتهم العليا، من طلبة متفوقين لكنهم لا يملكون الموارد اللازمة، ما يعزز من المخاوف بأن يؤثر ذلك على نوعية طلبة الدراسات العليا والكفاءة في التنافس.

لا أظنّ أنّ أحدا مع رفع الرسوم أو يرغب فيه، لا الرئيس ولا مجلس الأمناء، ولا الطلبة بطبيعة الحال. لكنّ الحكومات خلقت هذه المشكلات وألقتها في حضن الجامعات، وتحديداً “الأردنية”، وقالت لرئيس الجامعة: لا يوجد لدينا ميزانية، و”قلّع شوكك بإيدك”. وللطرافة، فإنّ الحكومة تتعامل مع الأزمة الراهنة وكأنّها متفرّج، بينما ما يحدث هو بالضبط الثمن الذي تدفعه الجامعات الحكومية للسياسات الرسمية العشوائية التي خلقت معضلات مالية وإدارية جمّة.

لا بد من الحوار العميق، والتوصل إلى حلول وسط بين الرئاسة والطلبة. ويحسب لرئيس الجامعة التعامل مع الطلبة بصورة حضارية، ضمن سقف القانون، وسيحسب له تماماً الوصول إلى تفاهم معهم، بما ينهي الاعتصام بصورة إيجابية.

إذا استمر موقف الحكومات السلبي بهذه الصورة، فمن الضروري التفكير اليوم بحلول لا نفضّلها ولا نرغب فيها، مثل استثمار الأراضي والمباني والممتلكات للجامعة الأردنية، وفقاً لـMaster Plan، تسمح للجامعة بالتطوير والتمويل من دون الاضطرار للجوء إلى جيوب الطلبة.

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير