“الإخوانية” و”الداعشية”!/ محمد أبورمان

يضعنا الصديق والباحث الأميركي المتميّز، مارك لينش (عبر مقالته الأخيرة في صحيفة “واشنطن بوست” بعنوان “هل الإخوان المسلمون منظمة إرهابية أم “حاجز ناري” ضد التطرف”)، في صورة المناظرات الأميركية المهمة التي تتناول موضوع الإخوان المسلمين والتحولات الأخيرة، وصعود تنظيم “داعش”. وهناك كراسان لأوراق مهمة حول هذه المناظرات، صدرا عن مشروع دراسة الشرق الأوسط؛ الأول عن “تطوير المناهج في دراسة الحركات الإسلامية”، والثاني عن “الإسلامية في عصر داعش”.

يناقش لينش قرار لجنة في الكونغرس أوصت بمشروع قانون لاعتبار جماعة الإخوان المسلمين حركة إرهابية، تحت ضغوط بعض الدول العربية. وبالرغم من أنّ لينش لا يتوقع أن يصبح المشروع قانوناً مقرّاً، إلاّ أنّه يشير إلى الجهود البحثية والعملية الهائلة التي قام بها أكاديميون أميركيون خلال العقود الماضية في السعي إلى تفسير الظاهرة الإسلامية.

يشير لينش إلى اتجاهين رئيسين كانا يسودان في الأوساط الأكاديمية في تصنيف “الإخوان”؛ الأول، يرى أنّ الجماعة بمثابة حاجز ضد التطرف والإرهاب، وأنّها تتبنى استراتيجية ضد العنف، وتؤمن بالاندماج في العملية السياسية. والثاني، يرى أنّ “الإخوان” حتى وإن لم يتبنوا العمل العنيف مباشرة، إلاّ أنّهم يمهّدون للحركات المتطرفة والإرهابية الطريق للوصول إلى هذه النتيجة.

غير أنّ هذه الجهود الأميركية البحثية أصبحت متقادمة اليوم؛ فهي تناقش وضع “الإخوان” خلال المرحلة التي سبقت “الربيع العربي”، وتجيب عن الأسئلة السابقة حول إيمانهم بالعملية الديمقراطية والسلمية. أما بعد “الربيع العربي”، وتحديداً ما حدث في مصر من انقلاب عسكري على حكم الإخوان المسلمين، فإنّ الأسئلة والفرضيات والمناهج البحثية تغيرت بصورة كبيرة.

يناقش مارك في مقاله الميكانيزمات التي كانت تدفع “الإخوان” نحو السلمية، ومدى صلابتها اليوم، والتغير الذي حدث فيها. لكن الأهم أنّه يشير إلى التحولات العميقة التي حدثت لدى جماعة الإخوان في مصر من جهة، وتأثير صعود “داعش” على الخيارات السلمية والديمقراطية لدى الإسلاميين من جهة أخرى.

فعلى صعيد “الإخوان”، هناك اجتهادات وخلافات كبيرة في أوساط الجماعة الأم في مصر حول الاستراتيجية المطلوبة في مواجهة الانقلاب والانغلاق السياسي الكامل. إذ وفقاً لهذه التحولات، كانت الاستراتيجية الإخوانية التي وصفها سابقاً زميل مارك، ناثان براون بـ”المشاركة لا المغالبة” في كتابه (When Victory not an Option)، تقوم على الاستثمار في الانفتاح المحدود والجزئي لدى الأنظمة العربية شبه السلطوية. لكنّ هذه الاستراتيجية لا تستطيع أن تقدم مقاربة عميقة لما تعرّضت له الجماعة لاحقاً من تدمير كبير لمؤسساتها وقدراتها المالية وشبكاتها الاجتماعية، واعتقال آلاف من الأعضاء، كما القيادات، وما حدث من مذابح في “رابعة” و”النهضة” بالقاهرة.

يتناول لينش الانقسامات والأزمات الداخلية التي تجتاح الجماعة في مصر، وبعض فروعها في العالم العربي، والصراع بين الأجيال الذي تبدى بوضوح في الفترة الأخيرة، وميل بعض أفراد “الإخوان” إلى العنف والراديكالية، مع محاولة إمساك القيادة القديمة بالمقاربة التقليدية، السلمية والعمل الديمقراطي، وعجز الجماعة عن اجتراح استراتيجية أو مقاربة فاعلة لمواجهة تحديات المرحلة الجديدة.

الأخطر من هذا وذاك أنّ “الإخوان” وإن لم يتوجهوا مؤسسياً وأيديولوجياً إلى العنف والإرهاب، إلاّ أن الطرف الآخر-“داعش” هو المستفيد الأول من هذا التطرف الرسمي والسعي إلى تصنيف “الإخوان” في حيز الإرهاب والزج بهم في السجون، لأنّ ذلك إثبات واضح على أنّ الخيار الديمقراطي السلمي، وفق منظور “داعش”، لن يأتي بنتائج!

بالرغم من أنّ لينش وخبراء آخرين يناقشون تقادم الأسئلة والفرضيات السابقة، وأنا أتفق معهم في ذلك، إلاّ أنّ القاعدة الذهبية التي ما تزال صامدة، تتمثل في أنّ الإدماج السياسي الديمقراطي يقود إلى الاعتدال والبراغماتية، فيما الإقصاء يدفع نحو التطرف ويعزز من حركاته.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري