متى الانتخابات النيابية؟!/ محمد أبورمان

أنهى مجلسا النواب والأعيان مهمّتهما بإقرار مشروع قانون الانتخاب الجديد، بانتظار صدور الإرادة الملكية ونشره في الجريدة الرسمية، حتى نكون بذلك قد طوينا قانون “الصوت الواحد” الذي حكم البلاد قرابة عقدين من الزمن.

لكن ما يزال كمّ كبير من النقاش السياسي، في الأوساط النيابية والسياسية والإعلامية، متمركزاً حول سيناريوهات “التوقيت” المفترض للانتخابات النيابية المقبلة، وقبل ذلك حلّ مجلس النواب ورحيل الحكومة الحالية، ومن ثم السيناريوهات المرتبطة بالحكومة.

لم يترك السياسيون أي احتمال أو سيناريو يمكن أن يحدث إلا حلّلوه وفصّصوه؛ بداية من احتمال حل المجلس بعد إنهاء قانون الانتخاب، مروراً بانتظار انتهاء الدورة الحالية (15 أيار (مايو) المقبل)، وصولاً إلى اكتمال المدّة الدستورية إلى شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لأنّ القانون يلزم بـ”إجراء الانتخابات خلال الأربعة أشهر التي تسبق انتهاء مدة المجلس”، ما يجعلنا أمام مواعيد مفترضة؛ شهر آب (أغسطس) أو تشرين الثاني (نوفمبر)، مع وجود تأكيدات من رئيس الوزراء بأنّ البطاقة الذكية، التي من المفترض أن تجرى وفقها العملية الانتخابية، ستكون جاهزة (5 ملايين بطاقة) في آب (أغسطس)!

السيناريوهات تتعدد بالنسبة للحكومة، وهي مرتبطة بطبيعة الحال بمصير مجلس النواب. لكنّ هناك سيناريوهين رئيسين تتداولهما القوى السياسية؛ الأول، وجود حكومة انتقالية بعد أن تحلّ الحكومة الحالية مجلس النواب، وبحيث يحتفظ فيها أغلب الوزراء بمواقعهم، وينتهي دور الحكومة بعد الانتخابات المقبلة. أما السيناريو الثاني، فهو حكومة جديدة، تجري الانتخابات، وعلى الأغلب تستمر بعدها، للحفاظ على التواصل والاستمرارية في عمل الحكومات.

أحد السيناريوهات التي تمسّك بها الرئيس ويروّج لها نواب، هو “حكومة تسلّم حكومة، ومجلس يسلّم مجلسا”، بدعوى عدم فتح المجال لفراغ دستوري، ولتطبيق هذا المبدأ في دول ديمقراطية عتيدة. أي أن يبقى الرئيس والمجلس إلى أن تتشكّل حكومة جديدة ومجلس جديد، ويسلمانهما “أمانة” العملية السياسية. لكن هذا السيناريو مستبعد تماماً في الأردن، لخشية التداخل بين مصالح النواب والعملية الانتخابية.

في الآونة الأخيرة، وخلال اليومين الماضيين تحديداً، بدأ ينتشر في سوق التكهنات والاشاعات، بخاصة في الأوساط النيابية، سيناريو جديد تماماً لم يكن مطروحاً في المرحلة السابقة بجديّة، ويتمثّل في تأجيل الانتخابات النيابية عاماً أو عامين، بذريعة تقليدية ومعتادة تتمثّل في خطورة الظروف الإقليمية، وما يمكن أن تجرّه من تطورات أمنية إقليمية خطيرة خلال الأشهر المقبلة.

لا أعرف ما هي طبيعة الإشارات التي التقطتها هذه النخبة النيابية والسياسية لترجيحها سيناريو تأجيل الانتخابات! لكن الذريعة التقليدية التي يتم ترويجها هي نفسها تدفع باتجاه إجراء الانتخابات لا تأجيلها!

لماذا؟

لأنّ ما يحدث في المنطقة اليوم، وإن كان قد أخذ أبعاداً دولية وإقليمية وحروباً بالوكالة، الأصل فيه هو الظروف الداخلية التي خلقت الأزمات، فتحولت إلى صراعات محلية، ثم دخلت القوى الخارجية. لذلك، فإن حماية الجبهة الداخلية وتقويتها وتصليبها وتعزيز تماسكها، هو العامل الأول في حماية الوطن وحفظ أمنه الوطني، ويأتي ذلك قبل دور الأجهزة العسكرية والأمنية.

وهنا، لا يوجد خيار لحماية الداخل أقوى من الإدماج السياسي والإصلاح وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وتعزيز الحريات العامة، وتجسير العلاقة بين المؤسسات السياسية والمواطنين. وهو الأمر الذي نعوّل عليه كثيراً في الانتخابات المقبلة، لتخرج لنا نخبة نيابية أفضل، وحكومة جديدة، وتُبث الحياة من جديد في اللعبة السياسية وتعزّز فعاليتها.

الأردن قرّر تغيير قانون الانتخاب والخروج من “شرنقة” الصوت الواحد، في عزّ الأزمات الإقليمية، ما يعني ثقة بالنفس ورسالة بمتانة المعادلة الداخلية. وإجراء الانتخابات قريباً سيعزز هذه الروح المعنوية القوية والمهمة التي تمثّل عاملاً قوياً من عوامل “القوة الناعمة” للدولة.

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير