… بما لا تشتهي السفن/ جمانة غنيمات

نصف عقد مر على “الربيع العربي” الذي وعدنا الحرية والكرامة. وقد ظنت المرأة العربية أنّ حراك الشعوب سيجلب لها الخير أيضاً، بأن يرفع عنها ظلماً طال أمده. لكن الرياح لم تأتِ بما تشتهي سفن الشعوب؛ نساء ورجالا.

على النقيض من تلك الآمال، فإنه بعد الردة على “الربيع” وثورات الشعوب التي تقدمت النساء صفوفها الأولى، نجدهن اليوم يعدن للصفوف المتأخرة، إن لم يجلسن على مقاعد الاحتياط، وسط نصف اعتراف بإنسانيتهن!

وبدلا من أن تنعم المرأة العربية بخيرات التغيير، نجدها تجني ويلاته، ربما أكثر من أي فئة أخرى، ولتقطع الحدود هربا من تطرف أقام أسواق نخاسة للنساء في العراق وسورية، أو فراراً من حكومات طائفية لا تشفع عندها المواطنة أبداً، أو فراراً من نظام قتل وشرد من نساء بلده الملايين.

قبل “الربيع”، كنا نشكو بطالة النساء، كما نحصي الأسر التي ترأسها نساء، لكنهن في الوقت ذاته يعانين التهميش المقصود وغير المقصود، مترجماً إلى ضعف مشاركتهن السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وكنا نظن أننا تخلصنا من زواج القاصرات أو أوشكنا. لكننا قرأنا أنه في العراق الذي كان رمز الحضارة، كما في اليمن الذي لم يعد سعيدا، تسنّ التشريعات التي تقونن زواج الصغيرات.

يا ليتنا بقينا هناك، فلم نرَ التحرش بالنساء ظاهرة تكبر وتتسع، مجسدة أمراضنا الاجتماعية في واحدة من أبشع صورها، إذ هي تقوم على إدانة للمرأة استناداً لمظهرها الخارجي فقط!

كنا نظن أن المرأة ستتحرر، لكنّ الواقع يقول غير ذلك. فالنساء العربيات محاصرات، ووعيهنّ مقيد، وحقوقهن في الاختيار، على كل صعيد، شبه غائبة. ولتكون المحصلة هي ذروة الألم، لأن نساءنا رغم كل ذلك يمتلكن عقولاً تعي تماماً تكبيل إنسانيتهن وطاقاتهن وإبداعهن الكامن، فيما ألسنتهن مقيدة تعجز عن التصريح وتخشى البوح أحيانا كثيرة.

النساء متعلمات. ورغبتهن في المزيد من المعرفة وتغيير واقعهن عظيمة، لا يحدّها -مع العجز عن إجهاضها حتماً- قيود كثيرة ومتعددة. فيما الكثيرون بيننا من المنتمين إلى ما يسمى “النخب”، يتخبطون في ترتيب أولويات احتياجات الناس.

اليوم، في الثامن من آذار؛ يوم المرأة العالمي، أطرح السؤال القديم الجديد حول ما حصلت عليه المرأة العربية من حقوق؛ وكم يسعفنا الواقع في تحقيق المساواة بيننا جميعاً بغضّ النظر عن الجنس.

أردنيا، ما تزال طموحات النخب من النساء في واد، وأحلام الغالبية في واد آخر سحيق. فالمرأة البعيدة عن قاعات الاجتماعات الفخمة والشاشات الإلكترونية المتطورة، أحلامها أصغر بكثير من نظيراتها المنعّمات. لكن على صغرها، هي آمال وأحلام أسمى؛ إذ تتمحور حول وظيفة تجلب دخلا، وطفل يتلقى قدرا لائقا من التعليم، وثلاث وجبات تعدها لتطعم أطفالها. غالبية النساء، كما مجتمعنا إجمالا، مشغولات بلقمة العيش، أضعاف ما يفكرن بالإصلاح السياسي وقانون الانتخاب.

ثمة نماذج كثيرة لنساء عظيمات قدّمن للمجتمع أكثر بكثير مما نفعل نحن الجالسات خلف شاشات الكمبيوتر، تحت المكيف وبقرب الموقد. ففي الأغوار، هناك المزارعات اللواتي يحملن المعول صباحا، يتجهن للحقول، ليضمنّ أن تأكل أسرهن ونأكل نحن. لا يضيرهن ما تركته الشمس والمطر من آثار على وجوههن السمراء.

وهناك أخرى؛ شابة يئست من ديوان الخدمة المدنية، فحوّلت يأسها حافزاً لإنشاء مشروعها الخاص. فتراها تفكر كيف ستبيع صابونا صنعته بيديها، أو تطريزا لثوب ترتديه نساء أخريات مشغولات ببيان صحفي يضع اسمها في أول فقرة منه.

وهناك الآن على طريق إربد سيدة تنهض باكرا لتلتقط “العكّوب”، علها تبيعه لسيدة أنيقة قادمة من العاصمة ببضعة دنانير.

هؤلاء هن الرائدات، وهن النساء العظيمات. كما هي أم الشهيد التي جاءها خبر ارتقاء ولدها للعُلا فجأة، لكنها احتسبته للوطن. وهذه السيدة تمثلني، لأنها تعرف أن التضحيات الكبيرة تقدم للوطن، فيما تغرق أخريات في حساب حجم الأموال في أرصدتهن.

سيدات الأرض والوطن هن الجديرات بالتكريم كل يوم، وليس فقط في الثامن من آذار.

Related posts

الكنيست الإسرائيلي يصدر سلسلة من القرارات العنصرية الجائره بحق الفلسطينيين* عمران الخطيب

السمهوري: ما حدث في إمستردام من هتافات وتحريض على القتل… جريمة تحريض ودعم لحرب الإبادة التي تشنها اسرائيل

عيوب ومثالب في (دراسات حول المناهج المُطوّرة)* الدكتور هايل الداوود