الدور القيادي يتبلور.. والقوات الجوية أول ملامحه/ نواف عبيد

استضاف معهد القوات الملكية المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية في لندن قبل أيام العميد ركن أحمد بن حسن عسيري – المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي المتحدث باسم القوات المشتركة في عاصفة الحزم – عبر حوار مباشر ومتلفز من مقرّ قوات التحالف المتمركزة في الرياض للحديث عن مستجدات عمليتي عاصفة الحزم، وإعادة الأمل، بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن.

افتتح اللقاء نائب رئيس هيئة الأركان البريطاني السابق الفريق السير سايمون مايال بحضور نخبة من المسؤولين البريطانيين والعسكريين والخبراء السياسيين والأمنيين والإعلاميين المتخصصين بشؤون الشرق الأوسط. واستهلّ مايال حديثه بالعودة إلى ذكرياته قبل ٢٥ سنة عندما قادت وحدته (الفرقة الأولى للقوات المسلحة البريطانية) العملية البرية لتحرير الكويت في أواخر شهر شباط (فبراير) عام ١٩٩١ ضمن تحالف ضمّ ٣٤ دولة، منها: الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، ودول الخليج العربية، ودول عربية وغير عربية، ضد عدوان صدام حسين. ثم عاد مايال إلى يومنا الحاضر، إذ ينبغي تقوية العلاقة التاريخية بين الخليج والمملكة وأن تزداد في التطور نحو المصالح المشتركة، خصوصاً في ظل مؤشرات تدلي إلى تغييرات جذرية في العلاقة، وأكّد أن الأحداث الإقليمية والحروب الأهلية المعاصرة في المنطقة قدّرت أن تحمل المملكة العربية السعودية على عاتقها دوراً قيادياً تشكّل بالفعل من كونها الأجدر في منطقةٍ هي في أمسّ الحاجة إلى مَن يقودها، خصوصاً أن المملكة شرعت اليوم بالفعل في تشكيل وقيادة تحالف للدفاع عن حدودها الجنوبية، والحفاظ على شرعية اليمن، من خلال عملية عاصفة الحزم، إضافةً إلى توسعة هذا التحالف ليضم دولاً عربية وإسلامية عبر تشكيل تحالف إقليمي تسعى المملكة العربية السعودية من ورائه إلى تحقيق أهداف نهجها الدفاعي الجديد.

ويقودنا حديث السير مايال هنا إلى توضيح أن هذا الدور القيادي الجديد للمملكة العربية السعودية يستلزم – بلا شكّ – كماً كبيراً من المسؤوليات والتحديات والتضحيات؛ لذلك لا بدّ أن تتحصّن المملكة بسياسة دفاعية جديدة تمكّنها من مواجهة التهديدات التي تشهدها المنطقة والإقليم، إضافةً إلى التزامها – أولاً – بتطوير قدراتها من عتاد وقوة بشرية أهلية ووطنية مدرّبة، وتعزيز وجودها العسكري على الحدود الشمالية والجنوبية، وفي الممرات البحرية والحقول النفطية والأجواء الإقليمية، وثانياً: بتطوير استراتيجياتها الدفاعية لتشكيل قوة سعودية لا تقتصر على الدفاع فحسب، بل تشكّل قوةً هجوميةً متقدّمةً قادرةً على حفظ السلم والتوازن في منطقةٍ لا تُوصف إلا بأنها شديدة الاشتعال.

نشرت جامعة هارفارد عام ٢٠١٤ دراسةً أجريتها خلال عملي زميلاً لدى الجامعة، وضعتُ فيها الخطوط العريضة لمبدأ دفاع شامل وفق تصوّرات وتقديرات جزمت بأن العقيدة العسكرية الجديدة للمملكة ستعتمد في المستقبل على زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري؛ بسبب تحوّل المملكة من قوة دفاعية تقليدية إلى قوة قيادية وإقليمية قادرة على ردع الأخطار التي تهدّد المنطقة؛ لضمان تحقيق أهداف عدة، أهمها: الدفاع عن الأراضي السعودية وتأمين حدودها، ومكافحة الإرهاب والتطرّف الأيديولوجي داخل المملكة وخارجها، وتعزيز مقوّمات جيوش الدول الشقيقة والحليفة وأجهزتها الأمنية لدعم أمنها واستقرارها، والأهم من ذلك هو امتلاك القدرة على استعراض القوة والنفوذ العسكريين الدائمين خارج حدود المملكة. وحدّد بحثي أولويات التطوير داخل المؤسسات العسكرية والأمنية السعودية، والاستراتيجيات اللازمة لتحقيق تلك الأهداف. ويتوجّب على المملكة من أجل تحقيق الهدف الأول من أهداف عقيدتها العسكرية الجديدة، المتمثّل في الدفاع عن الوطن، إعادة النظر في قواتها العسكرية الداخلية، البحرية منها والجوية. كما تلتزم المملكة، في إطار تحقيق هدفها الثاني، بمسؤولية مشاركة الدول الأخرى في استراتيجياتها المتقدّمة لمكافحة الإرهاب، مع محاربة الفكر المتطرّف والإرهاب المحلي والمستورد. وعلى السعودية، لكي تتمكّن من تحقيق الهدف الثالث، دعم استراتيجية دفاعية موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي بوصفه مؤسسةً قياديةً عسكريةً، تتمتّع بقوات قتالية مشتركة وأسلحة واستخبارات. ويتطرّق الهدف الرابع من أهداف العقيدة العسكرية الجديدة للمملكة إلى مسألة نفوذها إقليمياً ودولياً وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي. ويؤكّد هذا الهدف أهمية التوصّل إلى تكافؤ عسكري، والإسراع في توسيع خطط الأمن الوطني، وهو ما يسمح للمملكة بالاستقلال عن حلفائها التقليديين في شؤونها المحلية والإقليمية؛ لتتمكّن من احتضان الدور القيادي لحلّ الأزمات الإقليمية والمحلية، والعمل الفعلي مع حلفائها الإقليميين في إطار أمة تستند إلى أسس المحافظة على المبادئ العربية الإسلامية في جميع قراراتها.

وعلى المملكة أن تلتزم بتحقيق الشراكات بين وكالاتها الداخلية في مجالات الدفاع والأمن والاستخبارات من خلال تنسيق الاستراتيجيات اللازمة، وتقويم قدرات جميع الوكالات والعراقيل التي تواجهها، والتكيّف مع أيّ تغيير متوقّع. ويضمن هذا الأمر أن تتحقّق جميع الأهداف السابقة في ظلّ مجهودات سعودية موحّدة. كما على المملكة، في إطار سعيها إلى تحقيق هذه الأهداف، أن تسخّر مواردها السياسية والمالية والعسكرية الواسعة لتحصين قوتها العسكرية والبشرية لمواجهة الأزمات المستمرة التي تعصف بالعالمين العربي والإسلامي، مع تعزيز العنصر البشري، وضمان استدامة تطوره وتدريبه. لقد بدأت المملكة العربية السعودية بالفعل في تطبيق عقيدة دفاعية جديدة وفق المحاور السالفة الذكر، لكن الجديد في الأمر هو تحوّل هذه النظرية إلى واقع ملموس، نرى أول ملامحه في القوات الجوية الملكية؛ فالتطور الذي شهدته القوات الجوية في العقدين الماضيين عموماً عبر نمو الأسطول؛ ليصبح من أكبر القوات الجوية في العالم العربي فحسب بل أقواها بلا منافس بعد أن ضمّ مجموعةً من أحدث المقاتلات الحربية، وتحوّل إلى أسطول ليس كمثله أسطول، يعمل على ثلاثة محاور، ويتكوّن من 154 مقاتلة من طراز إف ١٥ إس أي، و٨٦ مقاتلة من طراز إف ١٥ سي – دي، و٧٢ مقاتلة يوروفايتر، إضافة إلى 80 مقاتلة من طراز التورنادو؛ هذا النمو في الأسطول الجوي دليل على تمسّك القيادة السعودية بأولوية تطوير القوات المشتركة، لاسيما الجوية منها.

ويتجسد هذا الدور اليوم في آخر مناورة عسكرية تدريبات «رعد الشمال» بقيادة السلاح الجوي الملكي السعودي، إضافة إلى قيادة القوات الجوية الملكية قوات التحالف في حرب اليمن، وكذلك مشاركة المملكة في قوات التحالف ضد داعش في القصف الجوي على شمال سورية انطلاقاً من تركيا. ويؤكّد هذا التحوّل في النهج الدفاعي السعودي واقع التغيير الملموس الذي ستشهده جلّ القوات المشتركة في سعيها إلى مواكبة تحدّيات الدور القيادي الجديد.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات