جدارنا المفتوح للتطرّف والكراهية/ إبراهيم غرايبة

وصف نصر حامد أبو زيد في عام 1989 – 1990، الخطاب الديني المعاصر بأنه يوحد بين الفكر والدين، ويلغي المسافة بين الذات والموضوع، وتفسر فيه الظواهر كلها بردها جميعاً إلى مبدأ أو علة أولى، سواء الظواهر الاجتماعية أو الطبيعية، ويعتمد على سلطة السلف والتراث، وتحويل النصوص الثانوية إلى نصوص أولية تتمتع بقدر هائل من القداسة لا تقل عن النصوص الأصلية، واليقين الذهني والفكري الحاسم ورفض أي خلاف فكري، وإهدار البعد التاريخي وتجاهله، وتقديس التاريخ والماضي الجميل، يستوي في ذلك العصر الذهبي للخلافة الراشدة وعصر الخلافة التركية العثمانية. وفي ظل هذه الحالة، تطابق ما يوصف بتيار الاعتدال مع تيار التطرف والخطاب الذي تقدّمه المؤسسات الدينية الرسمية في الجامعات والمدارس والمساجد والفضاء العام مع خطاب الجماعة المتطرفة.

ماذا يمكن أن يقول لنا أحد الدارسين للتطرف والجماعات المتطرفة لو وضع نفسه مكان أحد دعاة هذه الجماعات وحاول أن يعمل بأمان ومن دون أن يتعرض لمساءلة قانونية أو تهديد أمني، وهو يدعو إلى فكرته ويحشد المؤيدين ويجنّد الأعضاء والمقاتلين في المجتمعات العربية والإسلامية أو في تجمعات المسلمين في أنحاء العالم؟ أظنها مسألة ممكنة بسهولة، بدليل ما حدث ويحدث في العراق وسورية. فعلى رغم كل الإجراءات الأمنية الدقيقة والشاملة التي اتبعتها الأنظمة السياسية، فقد أظهرت البلاد أنها تغصّ بالتطرف الديني.

الحالة العربية تبدو في علاقتها مع التطرف مثل مبنى يتم الدخول إليه والخروج منه من خلال بوابة منيعة مزودة بكل أدوات التفتيش والمراقبة المتقدمة، لكن السور المحيط بالمبنى مليء بالثغرات الممكن التسلل منها بسهولة ويسر، ولا تبقى بعد ذلك أهمية تذكر للبوابة الهائلة المنيعة. ذلك أن المؤسسات الأمنية تلاحق المتطرفين بحزم، والمؤسسات الإعلامية والفكرية تجهد في انتقاد التطرف والرد على المتطرفين، لكن مؤسسات الدول والمجتمعات وفضاءها العام والفكري والاجتماعي تمثّل مصدراً وافراً وآمناً للتطرف وحشد المؤيدين والمتطرفين والمقاتلين.

وفي ظل هذه الموجة الدينية السائدة والجماهير الغاضبة والمهمشة والمقبلة على التدين في المساجد والجامعات والمدارس أو من خلال الفضائيات ومواقع الإنترنت، ثمة بيئة واسعة وآمنة للاختيار والتجنيد والتعبئة، ولا يحتاج دعاة التطرف والكراهية أن يضيفوا شيئاً إلى ما يقال أو يكتب أو يبثّ في المساجد والمناهج ومصادر التراث الديني المتاحة، وإذا أضيفت إلى ذلك قضايا الاحتلال والتهميش والصراعات السياسية والعسكرية والاحتجاج الكاسح، فليس متوقعاً فقط أن تزدهر الجماعات المتطرفة، بل أن تتحول الشعوب والمجتمعات نفسها إلى شعوب القاعدة والتكفير!

يستطيع اليوم دعاة التطرف في جميع الدول العربية والإسلامية وفي تجمعات المسلمين في أنحاء العالم، أن يعملوا في بيئة آمنة لا يطاولها القانون ولا يشكّل التجنيد والعمل السري الخاص بهم سوى قفزة يسيرة إلى مرحلة يبنى فيها بسهولة على الحالة السائدة والمتقبلة، بل التي تنفق عليها الدول والمجتمعات من الضرائب والموارد العامة.

في هذه الحالة الدينية والفكرية والاجتماعية السائدة، يتحقق مطلب أساسي للمناصرة والتأييد ثم التجنيد، فهي بيئة مساندة على نحو مباشر وكاف للجماعات المتطرفة، ولا تحتاج مفاهيم ومبادئ تقدم علناً وفي أمان مثل الحاكمية والدولة الإسلامية والولاء والبراء والجهاد والحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والعمل لأجل أن تكون كلمة الله هي العليا، بل إن هناك رسائل ماجستير ودكتوراه في الجامعات الرسمية تستوعب كل هذه المسائل والأفكار، وتستخدم من غير تعديل أو إعادة فهم مناهج وأدلة إرشادية وتنظيمية للجماعات، وكتاب الطريق إلى جماعة المسلمين مثال على ذلك!

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري