أعلن الإخوان المسلمون في الأردن فك ارتباطهم بالجماعة في مصر، أو بعبارة أدق؛ تغيير المادة الأولى في القانون الأساسي للجماعة، والتي تنص على أن جماعة الإخوان المسلمين نشأت في مصر العام 1928، ونشأ فرع الجماعة في الأردن العام 1946.
وبذلك، فإن الجماعة في الأردن تقرّ عمليا، وإن لم تعترف، أن المبادرة التي تقدم بها مجموعة من الإخوان الأردنيين لأجل التصويب القانوني لأوضاع الجماعة، كانت خطوة صحيحة وضرورية؛ وأن ما قيل وكُتب أو اتُخذ بحق تلك المبادرة يعتبر باطلا وخطأ ارتكبه الإخوان بحق إخوانهم! ويعني أيضا أن الإخوان المسلمين متلهفون لأجل توفيق أوضاعهم حسب القانون، وأنهم مستعدون لإعادة التسجيل وفق قانون تنظيم الجمعيات… والمشكلة الوحيدة هي موافقة الحكومة!
وقبل فك الارتباط هذا، أعلن أكثر من أربعمائة عضو في الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي عن مبادرة سميت “الإنقاذ” للعمل السياسي والوطني، وقدموا استقالاتهم من الحزب، وذكروا أن هذه المبادرة، بما في ذلك تشكيل حزب سياسي جديد، لا تؤثر على عضويتهم في الجماعة، وأن العمل السياسي والاجتماعي والحزبي يجب أن يُعوّم في أي اتجاه كان، ولا يجوز أن يجبر أحد من الإخوان على اتجاه سياسي أو اجتماعي أو يمنع منه. وطرحت المبادرة أفكارا ومقولات للعمل السياسي والوطني، هي حرفيا ما أعلنته مبادرة “زمزم”. هل أصبحت “زمزم” من وجهة نظر “الإنقاذيين” صوابا؟ وهل يقول الإنقاذيون بذلك إنهم مخطئون في مواقفهم ومقولاتهم تجاه “زمزم”؟
بالطبع، فإنها ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة غالبا، التي ينتقد فيها الإخوان المسلمون موقفا أو فكرة أو حتى يرفضونها، ثم يأخذون بها وتصبح جزءا من أفكارهم ومبادئهم؛ فهم يمضون في سلسلة من التحولات التنظيمية والفكرية والسياسية، ما يدعو إلى التساؤل: إلى أين يمضي/ يستدرج الإخوان المسلمون؟ أو بعبارة منطقية: ماذا تريد الحكومة من الإخوان المسلمين؟
يبدو أن الحكومة هي أيضا لا تعرف ماذا تريد من الإخوان، وتخشى من التغيير مثل ما يخشى منه الإخوان المسلمون. فالمرجح أنه في حال لجأ الإخوان إلى تسجيل أنفسهم في جمعية جديدة، سيفقدون نسبة كبيرة من الأعضاء غير المتحمسين للعضوية العلنية. كما أنهم في مواجهة استحقاق إعادة تشكيل أنفسهم على أسس ومبادئ فكرية وفلسفية جديدة قد لا يكونون مستعدين لها، وبالضرورة التخلي عن المنظومة الفكرية القائمة.
وبالنسبة للحكومة، فإنها لم توضح موقفا قانونيا أو سياسيا يعبر عنها، وتبدو في حالة أقرب إلى الصمت والحيرة. فإذا كان الوضع القانوني للجماعة صحيحا وتعمل حسب القوانين المتبعة، فلا معنى لتسجيل جمعية الإخوان المسلمين، وإذا كان وضعها غير قانوني فلماذا لم تطلب الحكومة توفيق أوضاعها، ولماذا لم تطبق القانون باعتبارها غير قانونية؟ هل تريد الحكومة للإخوان أن ينسحبوا بهدوء ويذوبوا في حزب جبهة العمل الإسلامي من غير ملاحقة من الحكومة ولا عناد من الإخوان؟
تريد الحكومة (ربما) أن تمر الانتخابات النيابية بهدوء، وتفضل أن يشارك الإخوان في الانتخابات وأن يحشدوا جماهيرهم ومؤيديهم. وسوف تكون نتيجة الانتخابات بالنسبة للإخوان وبالنسبة للحكومة تصويتا على مستقبل الجماعة.
الدرس الذي تعلمته الحكومة من “الربيع العربي”، هو أن الإخوان يجب أن يعاد تشكيلهم في أوعية سياسية وتنظيمية جديدة. والدرس الذي تعلمه الإخوان، هو أن يتبعوا الحكومة حيث مضت، ولو دخلت إلى جحر ضبٍّ خرب! لكن الحكومة لا تعرف ما تريد، ولا إلى أين تمضي!