هل يعتقد المسلمون أنهم مسلمون؟ وهل ترى الأنظمة السياسية في الدول العربية والإسلامية نفسها إسلامية؟ السياسات العامة والمجتمعية السائدة في عالم العرب والإسلام تعكس رؤية للذات بعدم «الإسلامية». فالنخب والقيادات السياسية والاجتماعية في عقلها الباطن توافق على رأي الجماعات الدينية بها، وتخوض المواجهة مع المتطرفين وهي تعتقد أنهم على صواب، ويبدو أنها مسألة في حاجة إلى مزيد من التوسع والجدل.
ما معنى أن يكون في دول ذات غالبية إسلامية وتنص دساتيرها على أن الإسلام دين الدولة وتصوغ تشريعاتها وأنظمتها على نحو لا يتناقض مع الإسلام إن لم تكن مستمدة منه مؤسسات إسلامية مختلفة عن المؤسسات التقليدية للقضاء والأوقاف والبنوك والتعليم والإعلام؟ يعني ذلك بداهة أن الأنظمة السياسية توافق على أنها ليست إسلامية أو أنها لا تطبق الإسلام، وأنها تخصص للمسلمين كما تفعل الدول غير الإسلامية مؤسسات خاصة بهم في شؤونهم وطقوسهم وأوقافهم ومعابدهم، … كيف تكون في بلد «إسلامي» مؤسسات توصف بأنها إسلامية وأخرى مناظرة لها تعتبر ضمناً غير إسلامية؟ وكيف تدير السلطة نفسها المؤسسات الإسلامية التي تطبق الإسلام والمؤسسات الأخرى التي لا تطبق الإسلام؟ الواقع أنها بذلك تدين نفسها من وجهة نظر الجماعات الدينية وتؤكد موقفها ورأيها بأنها غير إسلامية، وتدين نفسها علمانياً فهي تقوم بدور ديني مبالغ فيه ربما لم تقم به سلطة إسلامية على مدى تاريخ الإسلام! فلا هي إسلامية ولا هي علمانية!
وعلى سبيل المثال، فإن قانون الأحوال الشخصية في دول عربية وإسلامية صادر عن السلطة التشريعية، وهو القانون الوحيد المطبق، ولكن يسند تطبيقه إلى محاكم «إسلامية» خاصة مستقلة أو مختلفة عن المحاكم القضائية الأخرى وفي الوقت نفسه تتبع هذه «المحاكم الإسلامية» إلى السلطة ومن غير أن يكون هناك قانون مدني آخر تطبقه المحاكم العامة. يعني ذلك وفق القانون أن المسلمين في الدول العربية والإسلامية هم فئة من المواطنين يطبق عليهم قانون للأحوال الشخصية الخاصة بهم والمختلفة عن قانون مدني عام معتمد للدولة. وفي هذه الحالة، فإنه يسمح لهم بتطبيق بعض القوانين والطقوس والإجراءات المختلفة عن القانون، ولكنها لا تتناقض معه جوهرياً. ولكنّ المسلمين يشكلون 95 في المئة من السكان والقانون المطبق فيها هو القانون العام والوحيد أيضاً، فلماذا يسند تطبيقه إلى محاكم إسلامية مختلفة ومستقلة عن المحاكم النظامية العامة؟ كيف تصدر السلطة التشريعية قانوناً إسلامياً مطابقاً للشريعة بل ويزايد عليها وترى محاكمها التي تطبق القانون الإسلامي غير إسلامية أو غير مؤهلة لتطبيق الإسلام؟
حسناً، إذا كانت الأنظمة السياسية تعتبر نفسها إسلامية فلا معنى لوجود مؤسسات إسلامية موازية، فالمؤسسات القائمة من المحاكم والوزارات والجامعات والبنوك في أدائها أعمالها تؤدي ما تقوم به المؤسسات «الإسلامية الرسمية» وبكفاءة أفضل، وإذا كانت الأنظمة السياسية تعتبر نفسها غير إسلامية فلا معنى أيضاً لوجود هذه المؤسسات الدينية الرسمية، ويمكنها أن تترك للمسلمين تنظيم شؤونهم التي تشملها تعاليم دينية خاصة، كما يفعلون في الدول غير الإسلامية أو التي ينتمي معظم مواطنيها لغير الإسلام كما في أوروبا أو الفيليبين على سبيل المثال.
والحال أن «الإسلامية» وجهود وعمليات «الأسلمة» تشكلت حول الاعتقاد بعدم «إسلامية» حالة أو أوضاع الدول والمجتمعات، بعد إلغاء الخلافة العثمانية «الإسلامية» عام 1924. ولم يفهمها أصحابها المعتدلون على أنها تقابل «الكفر» ولكنها ليست الإسلام أيضاً، واللافت أن الأنظمة السياسية ومؤسساتها الدينية، لم تقبل بمحاولات التنظير الديني لأنظمة الدول الحديثة وتقديمها بأنها غير مخالفة للإسلام، وأنه ليس ثمة نص ديني يلزم المسلمين بالخلافة أو نظام السلطة الذي كان قائماً في مرحلة تاريخية، وفي الوقت نفسه لم تطبق أنظمة الخلافة، واختارت المزاوجة بين النظام الديني التاريخي والدولة الحديثة، ولكنها في ذلك لم تكن إسلامية بمفهوم «النظام الإسلامي» الذي استحدث وطور في المؤسسات الدينية والتعليمية الرسمية الحديثة، ولم يكن معروفاً قبل القرن التاسع عشر، وهي أيضاً ليست علمانية بمعنى الحياد تجاه الدين.