قانون الانتخاب خطوة محسوبة/ فهد الخيطان

الجدل النيابي الساخن الذي دار في مستهل نقاش المجلس لمشروع قانون الانتخاب يوم أمس، ليس بلا معنى أو قيمة. فنحن بصدد تشريع مفصلي في حياتنا السياسية، سيقرر إلى حد كبير هوية الحياة البرلمانية ونوعية الحكومة التي ستنبثق منها للسنوات الأربع المقبلة.

وسلة التعديلات المقترحة من شخصيات برلمانية وقوى حزبية وفعاليات نسائية ليست شيطانية أبدا. إنها أفكار واقتراحات مفهومة؛ فمن منا لا يريد تمثيلا أوسع للنساء ينبغي أن لا يقل عن النصف في المستقبل؟ ومن يرفض نظاما انتخابيا يوحد الأردنيين خلف قوائم تمثل الوطن بكل أطيافه الحزبية والاجتماعية؟ ومن لا يطمح إلى برلمان يفرز حكومة أغلبية وتخضع لمساءلة المعارضة تحت القبة؟

نريد ذلك وأكثر، خاصة وأن عملية إصلاح منظومة التشريعات تباطأت لسنوات، وراوحت في مربع “الصوت الواحد” لأكثر من عقدين.

لكن عملية الإصلاح محكومة بالإرادة المستندة إلى الواقع، لا إلى الرغبات والتمنيات. مخاض السنوات الخمس الأخيرة منحنا فرصة فريدة لاستخلاص الدروس والعبر، وأهم هذه الدروس؛ السير إلى الأمام بثبات، لكن بخطوات محسوبة.

مشروع قانون الانتخاب المعروض على النواب ينطبق عليه هذا الوصف؛ خطوة محسوبة إلى الأمام، تفتح الباب لخطوات أكبر في المستقبل.

وقيمة هذه الخطوة لا تقاس بما نطمح إليه من خطوات إصلاحية، بل بما كان قائما من قبل. هكذا تكون المقارنة. لم يكن سهلا أبدا مغادرة نظام “الصوت الواحد” ولا نظام الدوائر الصغيرة؛ فقد كان القانون الحالي بمثابة عقيدة ترسخت في عقل الدولة، لدرجة أننا جميعا كنا نشك بقدرة الحكومة الحالية على كسر “تابو” الصوت الواحد.

لكن عقل الدولة تغير بشكل جوهري، وأدرك أن قانون الصوت الواحد الذي خدم حاجات المرحلة السابقة لم يعد صالحا للمستقبل. ولم يكن هذا التحول بمعزل عن خطوات إصلاحية سبقت قانون الانتخاب، وأخرى ستلحق به. غير أن التداعيات الرهيبة لتجارب التحول الديمقراطي وثورات “الربيع العربي” ألقت بظلالها على التجربة الأردنية، فصار التدرج هو الفلسفة التي تحكم عملية الإصلاح برمتها. وتوافقت الأغلبية من الناس على صحة هذا الخيار لتجنيب الأردن قفزات في الهواء، وتدارك مخاطر الأزمات العربية التي بدأت تفيض خارج الحدود وتلقي بحممها على الجيران.

ومع إدراك الجميع لأهمية قانون الانتخاب، إلا أنه يبقى بلا قيمة مهما كان متطورا إذا لم نعمل على تهيئة البيئة العامة لإفراز أفضل النواب للمجلس المقبل. والبيئة العامة في هذه المرحلة غير مواتية أبدا، وتحتاج لترميم واسع، جوهره سؤال مركزي يتعين على عقل الدولة الإجابة عنه: ماذا نريد من الانتخابات المقبلة؟

قانون الانتخاب بصيغته الحالية، والتي يتوقع إقرارها قريبا، ليست نهاية المطاف؛ إنما جولة أولى من الإصلاح يمكن البناء عليها؛ فما هو غير مقبول اليوم يصبح ممكنا بعد أربع سنوات، وهكذا تدور عجلة الإصلاحات. فمنذ اليوم لم يعد القانون مغلقا في وجه التعديل، كما كانت الحال مع القانون السابق “الحالي”. التشريعات تتكيف باستمرار مع مقتضيات التطور والتقدم، ولا شك أن المجلس النيابي المقبل سيعود لقانون الانتخاب وقوانين أخرى ثانية وثالثة.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري