لاشك أن التدخل الروسي العسكري والسياسي في الأزمة السورية، أحدث خللاً كبيرا في موازين القوى بين النظام السوري والمعارضة المعتدلة خلال الأشهر الماضية، ومع أن روسيا أعلنت أن تدخلها العسكري كان يهدف لمحاربة داعش والجماعات المتطرفة، لكن ما ظهر لكل دول العالم والمراقبين والمهتمين بالشأن السوري، من الدول المؤثرة في النظام الدولي خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، أن الهدف الأساسي للتدخل الروسي، كان للدفاع عن النظام من السقوط، وليس محاربة داعش وأخواتها، ومواجهة تقدم المعارضة المعتدلة والتي تمثل غالبية المعارضة السياسية والعسكرية، والتي تحتل أجزاء كبيرة من المدن السورية، وقد انتقدت بعض الدول الغربية، قيام روسيا بقصف المعارضة المعتدلة بصورة دائمة مع تدمير وقتل العديد من الموطنين السوريين الآمنين في مدنهم وقراهم، وهي التي قبلت بالمفاوضات السلمية بعكس الجماعات المتطرفة، لكن روسيا ركزت قصفها على مواقعهم، وتركت مواقع الجماعات المتطرفة، لأنها ـ كما تقول المعارضة المعتدلة ـ كانت سبباً في خلط الأوراق في جهود وتحركات المعارضة، وأنها أسهمت في إعطاء سمعة سيئة للمعارضة السورية التي هدفها تحقيق الديمقراطية، والحرية، وإقامة نظام سياسي مدني لا يفرق بين كل المكونات السورية العرقية والمذهبية، بل إن المعارضة المعتدلة، أكدت في أكثر من مناسبة أن النظام السوري، وبعض أنصاره جماعات من العراق ومن لبنان، أفرجوا عن الكثير من المتطرفين في السجون السورية والعراقية، وأنهم أتاحوا الفرصة للتحرك لهم والنشاط، بهدف إبعاد الهدف الرئيسي للمعارضة، وربما شجعت هذه الجماعات المتطرفة على تأجيج الصراع المذهبي والخلافات الدينية في القضايا الفرعية، والقتل والتكفير دون مبررات تذكر سواء ذرائع للخلافات الفرعية، وهذا ما استفاد منه النظام،خاصة في الترويج الإعلامي أن هؤلاء الذين يقاتلون النظام السوري إرهابيون ومتطرفون وتكفيريون ..إلخ.
والحقيقة أن روسيا تحركت من هذا الباب الخفي للدخول في الصراع السوري، لإبقاء نظام بشار الأسد في الحكم، ولذلك بدعوى تقاتل الإرهابيين والمتطرفين في سوريا، وهذه الأقوال كما تقول المعارضة والدول المؤيدة لها ـ مجرد شماعة ـ لتحويل ما يجري في الساحة السورية، بأنه صراع بين نظام شرعي، ومعارضة متطرفة، وهذا ما سعت إليه القوى المؤيدة للنظام من إيران وحزب الله، وبعض المليشيات من العراق التي تقاتل ع النظام القائم، ولكن المعارضة السورية سعت حثيثاً لطرح ما يسعى إليه النظام، وهو تغيير المعادلة العسكرية الراهنة لصالح النظام في سوريا، وهذا ما وضح مؤخراً للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، خاصة بعد لقاء جنيف 3، أن النظام السوري، يماطل في هذه المفاوضات بتشجيع من روسيا، بهدف تمكين القوى المؤيدة لنظام الرئيس بشار الأسد منم السيطرة على المدن التي كانت تحت سيطرة المعارضة المعتدلة قبل اللقاء المرتقب من المفاوضات في 25 فبراير من هذا الشهر، ولذلك تحركت بقوة عسكرية كبيرة مع القصف الجوي الروسي في الأسبوعين الماضيين، بهدف تمكين قوات النظام والقوى المؤدية له، من احتلال المدن التي تسيطر عليه قوات المعارضة، ولذلك جرت لقاءات سرية وعلنية من الولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لوقف هذه المخططات الروسية مع النظام وحلفائه، لتغيير المعادلة العسكرية استعدادا للمفاوضات المقبلة، تكون المعارضة في الموقف الأضعف، والنظام في المكانة الأقوى، وهذا بلا شك يهدف إلى أن النظام يبقى والمعارضة تعطى لها بعض المناصب المدنية مثل بقية السوريين ـ إن أرادت ـ ولا شيء غير هذا لمن يعارض هذا النظام القائم!! لكن هذه اللعبة التي أرادها النظام ومؤيدوه ـ كما ترى بعض الدول المتعاطفة من المعارضة ـ أصبحت مكشوفة تماماً وهذا ما صرح به مندوب سوريا في الأمم المتحدة، من حيث الشعور بتفوق النظام وهو بمقاومة النظام لما يسميه دائما بالمتطرفين التكفيريين! فأعلنت المملكة العربية السعودية وتركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى، مع تأييد الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول لهذه الخطوة القبلة بضرورة التدخل البري في سوريا، وأنها سوف تعد العدة عملياً لهذا العمل، وهذا ما ظهر من خلال وصول طائرات عسكرية سعودية إلى قاعدة إنجرليك التركية منذ عدة أيام، لمحاربة تطرف داعش وأنصارها، وهذا مسعى كما تقول هذه الدول لا رجعة فيه، حتى تتحقق لسوريا الاستقرار المنشود من وجهة نظر مؤيدي المعارضة، لكن هذه الدول التي أبدت استعدادها للتدخل البري، لكنها تريد أيضاً ألا يكون للرئيس بشار أي دور في الترتيبات المقبلة في سوريا، وهذا محط اختلاف بين بعض الدول المؤيدة للنظام والمعارضة له، ولا شك أن التدخل البري وربما الغطاء الجوي، هدفه إيقاف التقدم العسكري الذي تقوم به روسيا مع بعض الدول والجماعات المؤيدة للنظام، وهذا ربما سيكون مدار أزمات سياسية بين روسيا وهذه الدول التي تؤيد التدخل في الأيام المقبلة، كما أن بعض الدول التي ستشارك في التحالف طلبت أن يكون هذا التدخل تحت قيادة أمريكية، والهدف أن تعرف روسيا والنظام، وبعض الدول والجماعات المؤيدة له، أن إعطاء قيادة التدخل البري للولايات المتحدة، رسالة لروسيا في عدم مهاجمة هذا التدخل البري، وتحسب حسابات أن ضربها لهذه القوات يعني استهداف الولايات المتحدة نفسها، والقضية أن ما فعلته روسيا أنها جاءت لمحاربة تنظيم الدولة، فغيّرت موقفها إلى قتال المعارضة السورية المعتدلة، فإن التدخل البري للتحالف ضد داعش، سيكون له أجندات أخرى، ولا شك أن هذا التدخل جاء باتفاق مع دول التحالف الدولي في دعم ومساندة القوات التي ستتدخل إلى سوريا لمقاتلة تنظيم الدولة، لكن يبدو من التصريحات أن هذا التدخل سيسعى إلى إنهاء الأزمة السورية، من خلال دعم المعارضة المعتدلة التي خسرت في الأشهر الماضية العديد من المدن السورية، وهذا ما أكد عليه وزير خارجية المملكة العربية السعودية، من أهداف هذا التدخل، هو هزيمة تنظيم الدولة وضرورة إزاحة عن الحكم، وهذا يعني أن هذا التدخل الذي ربط بين هزيمة داعش وهزيمة النظام، سيكون من ضمن استراتيجيه قادمة، إما بدعم المعارضة المعتدلة بقوات كبيرة وتقدمة، وإما بتدخل عسكري مشارك مع هذه المعارضة، مثلما فعلت إيران وحزب الله، والمشاركة الجوية الروسية.
فلا أحد يعرف هذه الإستراتيجية المقبلة لإزاحة الرئيس بشار من الحكم قبل الترتيبات القادمة، لكن من خلال استقراء اللقاءات والمشاورات بين روسيا وبين بعض الدول التي أعلنت عزما على التدخل، أن هناك شيئا ما يدور في الكواليس من الصعب المعرفة الواضحة لهذه المشاورات، لكن التدخل أصبح أمراً ثابتاً من خلال وصول الطائرات الحربية إلى القوات العسكرية التركية.. والأيام القادمة ربما تكون حبلى بالمفاجآت.
أحدث المقالات