حارسو الجمال وصانعو الكراهية/لؤي أحمد

عروبة الإخباري – كتب : لؤي أحمد

كتب الدكتور طه حسين في مقدمة كتابه (مع أبي العلاء في سجنه): “إلى الذين لا يعملون ويؤذي نفوسهم أن يعمل الناس، أهدي هذا الكتاب”.

لا شك أن عميد الأدب العربي وقت كتابة هذا الإهداء كان محاطا بجوقة من المتثاقفين المحكومين بالكراهية، أعضاء (حزب القَعَدة) الذين لا يعملون وإذا عمل غيرهم يخرجون على الناس من سجون الذات المتضخمة على خوائها – سجون ليتها كانت تشبه سجن أبي العلاء- ويكيلون الاتهامات ويوزعون صكوك الثقافة والإبداع والثورية والتقدمية على مَن يشاؤون ويسلبونها ممن لا يسيرون على خطاهم تحت عناوين مزيفة براقة ترفع من مصلحة المثقف والأديب شعارا ومن الحفاظ على مسافة بعيدة عن السلطة منهجا.

بعد نشر خبر توقيع لجنة الشعر في رابطة الكتاب الأردنيين اتفاقا أوليا مع مدير المركز الثقافي الملكي والمدير التنفيذي لمهرجان جرش الأستاذ محمد أبو سماقة، كانت ساعة واحدة كفيلة لأن تنبري أقلام صائدي الشهرة وقناصي الفرص الصاعدين على أكتاف الآخرين وجهودهم لتشكك في طبيعة هذا الاتفاق ومراميه وتذهب أبعد من ذلك إلى الحديث عن صفقة أصبحت بموجبها رابطة الكتاب تسبح في فلك الدولة وتنفذ تعليماتها (وكأنها رابطة كتاب الواق الواق وليست رابطة الكتاب الأردنيين).

وهنا اتساءل: هل كلّف المشككون أنفسهم عناء التثبت من بنود هذا الاتفاق وعناوينه العريضة؟
هل توقفوا عند المكتسبات التي رسختها الرابطة بهذا الاتفاق حقوقا لأعضائها عبر مضاعفة أعداد الشعراء الأردنيين المشاركين في جرش، ومضاعفة قيمة المكافأة التي كانت ترصد لكل منهم لقاء هذه المشاركة في دورات جرش السابقة؟ وحرصت أن يكون الشعراء من مختلف تيارات الرابطة النوعيين الذين لم تتح لهم فرصة المشاركة سابقا لأسباب أبعد ما تكون عن كونها ثقافية.

هل عرفوا أن الرابطة ضاعفت أيضا عدد الشعراء العرب الذين سيدعون إلى جرش وألزمت المهرجان بدفع تكاليف مشاركتهم كاملة؟.

هل انتبهوا إلى إصرار الرابطة على أن تكون المؤسسة الثقافية الوحيدة المسؤولة عن وضع برنامج مهرجان جرش الثقافي (برنامج الشعر وملتقى السرد) دون أدنى تدخل من أية جهة كانت؟

هل كتبوا مقالا واحدا يشيرون فيه إلى إنجازات الرابطة بهيئتها الإدارية الجديدة التي لم يمضِ على انتخابها من الهيئة العامة سوى خمسة شهور تمكنت فيها من رفع التأمين الصحي لأعضائها من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الأولى؟ هل ساندوا الهيئة الإدارية الجديدة ولو عبر إدراج واحد على وسائل التواصل الاجتماعي في مسعاها للحصول على أرض يقام عليها مبنى دائم للرابطة بعد أن فرط من سبقهم بالأرض التي منحت للرابطة في مكان حيوي في عمان ولو تم الحفاظ عليها لكانت تساوي الآن مئات الآلاف من الدنانير؟
لست ناطقا باسم الرابطة أو هيئتها الإدارية وما ينبغي لي، فالهيئة الإدارية التي فازت بثقة الهيئة العامة لتشغل مقاعدها كاملة قادرة على الدفاع عن نفسها، ولكن النقد يا سادة كما تعلمناه: هو تفحص الشيء والحكم عليه وتمييز الجيد من الرديء ولا تخفى عليكم دلالة تقديم الجيد على الرديء، والنقد أيضا الكشف عن مواطن الجمال قبل القبح، لذا كان عليكم أن تؤشروا إلى مواطن الخلل لا أن تتوهموه وتوهموا الناس به، فتوهمه جزء من صناعته، ولا تحاولوا إقناعنا أن المثقف أو المبدع يجب أن يكون على الدوام غاضباً لأجل أن يكون مختلفا، وأنه خُلق فقط ليعترض ويقول (لا) في المواطن التي كانت (نعم) فيها أولى وأجمل.

فرابطتكم، إن كنتم لا تعلمون، تعاني شح التمويل إن لم يكن انعدامه، وهي مع ذلك تصل الليل بالنهار وتراكم الإنجاز فوق الإنجاز وتجترح المعجزات لتظل بيت المثقفين الجامع، تخاطب المؤسسات وتقيم الأنشطة الدورية وتبني جسور التعاون مع كل جهة قادرة على دعمها دون مواقف مسبقة ودون تفريط بدور الرابطة وقرارها المستقل، وتتحمل دون ذلك سهام التشكيك ولا تسأل الناس أجرا ولا منة، قامت بتأسيس بيت الشعر العربي في الرابطة وملتقى الثلاثاء الفلسفي وانتخبت مقرري لجانها العاملة وأعادت هيكلة مجلة أوراق وتسعى لإصدار مجلة “بيت الشعر” ومجلة “الترجمة” وفتحت أبوابها لكل أعضائها من مختلف مشاربهم بعيدا عن الاستقطابات السياسية الضيقة، وأمنت لأبناء أعضائها منحا تعليمية في الجامعات والمدارس.

ذهب أعضاء لجنة الشعر في الرابطة إلى الاجتماع مع مدير مهرجان جرش وفي نيتهم، لمن لا يعلم، أن تقاطع الرابطة المهرجان إن لم تكن مسؤولة عن تنظيم البرنامج الثقافي فيه، جلسنا على الطاولة مع شركائنا ووجدنا حرصهم على إنجاح المهرجان وبرنامجه الثقافي ودعم الرابطة يوازي حرصنا، وقعنا اتفاقا كانت قيمته المالية أعلى من أي اتفاق وقعته الهيئات الإدارية السابقة في الرابطة، وعلى الطاولة نفسها تبرع عضو الهيئة الإدارية في الرابطة ومنسق مهرجان جرش الثقافي بمكافأته التي ترصدها له إدارة المهرجان لقاء أتعابه لصندوق الرابطة، وعلى الطاولة نفسها أيضا وجدنا كتابا من وزيرة الثقافة موجها لمدير المركز الثقافي الملكي تستمزج الوزيرة فيه رأيه باقتطاع جزء من مخصصات المركز لصالح الرابطة لإقامة ملتقى السرد الذي ستنظمه الرابطة على هامش مهرجان جرش هذا العام، وأبدى مدير المركز استعداده التام لذلك، وعلى الطاولة نفسها أيضا سلمنا عضو الهيئة الإدارية تبرعا شخصيا سخيا من قبل رئيس الجامعة الأردنية لصالح أنشطة الرابطة (الجامعة الأردنية عضو اللجنة الثقافية لمهرجان جرش إلى جانب أمانة عمان ورابطة الكتاب الاردنيين).

شكرا للإدارة العليا لمهرجان جرش، شكرا للمدير التنفيذي للمهرجان، شكرا لرئيس الجامعة الأردنية وشكرا للذين يحسنون الظن ويغلبون الجمال على الكراهية، فالمبدعون الذين يناط بهم أن يصنعوا الجمال وأن يحرسوه يستحيل عليهم عقلا أن يكونوا صناعا للكراهية.

ختاماً، مخطئ من ظن أن هذه المقالة كتبت للحديث عن الذين (لا يعملون ويؤذي نفوسهم أن يعمل الناس) على حد تعبير طه حسين، هذه المقالة كُتبت عن الذين يعملون ويعملون كثيرا لكن ذنبهم أنهم يعملون بصمت.

Related posts

رئيسة اتحاد الكتاب السابقة رناد الخطيب في ذمة الله

مؤسسة شومان تعرض الفيلم التونسي (عرس القمر)

قراءة في رحلة (الطّريق إلى كريشنا) لسناء الشّعلان: كيف عرفتُ نعيمة المشايخ مع سناء الشّعلان؟