قذائف الرمثا أهون مصائبنا/ فهد الخيطان

القذائف التي تساقطت على منازل في الرمثا أول من أمس تؤكد بالدليل الحي أن وقف إطلاق النار الذي صمد لأشهر في المناطق السورية المحاذية للحدود الأردنية إنهار تماما.

في الأسبوع الأخير من شهر تموز (يوليو) العام 2015 سقطت بضع قذائف سورية داخل الأراضي الأردنية. وقبل ذلك التاريخ بأسابيع قليلة، كان شاب أردني قد استشهد في حادثة مماثلة. لكن في الأشهر التي تلت تلك الحوداث وحتى قبل يومين، شهدت البلدات الأردنية حالة غير مسبوقة من الهدوء نتيجة لتفاهمات معقدة مع جماعات مسلحة وانشغال قوات الجيش  النظامي بمعارك على جبهات أكثر أهمية بالنسبة له.

لكن التحولات التي شهدتها الحرب في سورية بعد التدخل الروسي، وتقدم قوات النظام على أكثر من محور فرضا معادلة جديدة في الجنوب السوري ماتزال في طور التبلور لكن عنوانها الأهم انتهاء ما كان يعرف بحالة “الستاتيكو” بين قوات النظام والمعارضة. وتشهد المعارك الضارية حول درعا وبلدات قريبة من الحدود الأردنية في الوقت الحالي على هذه النهاية.

خلال الأسابيع الماضية سعى الأردن وعبر حملة اتصالات دبلوماسية مكثفة لإحياء وقف نسبي لإطلاق النار من جديد لكن هذه المحاولات لم تسفرعن نتائج تذكر.

اتفاق ميونخ الأخير بين القوى الكبرى على وقف إطلاق النار “في جميع أنحاء سورية في غضون أسبوع” ليس مرشحا للصمود يوما واحدا؛ فقبل أن يغادر المجتمعون قاعة المؤتمر الصحفي كانت المواجهات الحربية تتواصل على جميع الجبهات.

سيحاول الأردن استثمار الزخم الدولي بعد “ميونخ” لاختبار النوايا في الجنوب السوري، لكن القيادة السياسية الأردنية تعلم من خبرتها الطويلة مع الأطراف المتصارعة والقوى الراعية بأن حظوظ الهدنة في سورية تكاد تكون معدومة، في ضوء طبيعة الصراع وخلافات الأطراف المعنية بالأزمة.

وبهذا المعنى فعلى الأردن أن يدرك بأن العودة إلى المقاربة السابقة أصبحت أمرا مستحيلا وعليه التكيف مع الوقائع الجديدة.

والجديد هنا أن قوات النظام السوري المدعومة من الطيران الروسي، وبعد معاركها للسيطرة على حدود سورية مع تركيا، ستتقدم صوب الجنوب للسيطرة على الحدود مع الأردن مالم تحدث تطورات مفاجئة على محاور أخرى تعيد ترتيب الأولويات السورية والروسية.

وفي اعتقادي أن الأردن وبحكم علاقاته القوية مع موسكو، بات في صورة السيناريوهات المعدة للجبهة الجنوبية ويستعد للتعامل مع تداعياتها.

مايهم الأردن في هذا الصدد أن لا يواجه تدفق آلاف اللاجئين على غرار ما يحصل لتركيا، ويضمن في نفس الوقت بقاء الجماعات الإرهابية بعيدا عن حدوده وتأمين مواطنيه من سكان المناطق الحدودية من خطر القذائف العشوائية.

باستثناء ذلك ليس بمقدور الأردن أن يغير في المعادلة السورية الداخلية أو يتحكم بميزان القوى في المناطق الجنوبية كما كان يحصل من قبل.

بعد التدخل الروسي؛ الأمور تبدلت على نحو جوهري في كل أرجاء سورية. والأطراف المتصارعة تستعد لجولة جديدة وطويلة من الصراع؛ بشار الأسد قال ذلك بالأمس وروسيا تعهدت بمواجهة طويلة والسعودية توشك على دخول ميدان المعركة من أوسع أبوابه وتركيا لن تسلم بالأمر الواقع, و”الناتو” يراجع خياراته.

الحكمة الأردنية تواجه الاختبار الأصعب ؛إما أن تصمد أو ينال منه الجنون السوري، وعندها ستكون قذائف الرمثا أهون مصائبنا.

Related posts

اللي استحوا ماتوا* فارعة السقاف

تجربة النضال الفلسطيني: خصوصية مقاومة تقاوم التعميم* هاني ابو عمرة

كلفة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي* جواد العناني