مخاوف الأردنيين/ جمانة غنيمات

ثمة تساؤلان كبيران يطرحهما الأردنيون عموماً؛ لما يثيرانه من مخاوف تتعلق بواقعهم. الأول، يرتبط بتوقعات موجات كبيرة من اللجوء السوري خلال الفترة المقبلة، بعد التطورات الميدانية التي تشهدها المنطقة الجنوبية، من سيطرة للنظام السوري بغطاء ودعم روسيين.

أما التساؤل الثاني الذي يشغل مواطنينا، فيتعلق بالحرب البرية التي تتحدث عنها السعودية، بدخول قوات قوامها 150 ألف جندي إلى سورية، بحسب تسريبات إعلامية. إذ إن مثل هذا الطرح يثير مخاوف الأردني الذي لا يقدر شيئا أكثر من أمنه واستقراره، باعتبارهما المنجز الأكبر الذي تحقق له خلال “الربيع العربي”.

المخاوف من اللجوء منبعها استعادة الجيش السوري مدينة الشيخ مسكين التي تعد رابع أكبر مدن حوران، بعد درعا ونوى والصنمين، والتي تبعد نحو 34 كيلومترا عن معبر نصيب الحدودي مع المملكة. ويرى مسؤول حكومي رفيع أن كل تلك المعطيات تدلل على واقع مختلف، والسير نحو الحسم في الأزمة السورية.

المخاوف من موجات لجوء جديدة مسألة واردة طبعا، بعكس ما يعتقد بعض المسؤولين ممن يقولون إن تلك المناطق شبه فارغة، بعد أن لجأ كل من فيها، جزء كبير منهم قدم إلى الأردن؛ وأن المخاوف تكمن -بحسب هؤلاء المسؤولين- في مجيء بعض من يدّعون أنهم لاجئون، لكنهم في الأصل من مناطق يسيطر عليها تنظيم “داعش”، ضمنهم نساء.

هذه النظرية صحيحة جزئيا؛ إذ إن بعض نتائج تغير الواقع هو محاولة أعضاء في تنظيمات إرهابية القدوم إلى الأردن. لكن الأهم أن مئات الآلاف من السوريين ما يزالون يقطنون تلك المناطق، فهي لم تفرغ من أهلها بالكامل؛ الأمر الذي يعزز المخاوف من حركات لجوء تزيد كلفها بعد اتفاقات مؤتمر لندن، مع توقعات بأن يستمر اللجوء لحين انتهاء الحرب التي يرى مسؤول رفيع أنها قد تنتهي مع نهاية العام الحالي، بحيث يجلس الجميع إلى الطاولة وصولا لحل سياسي.

القصة الأخرى المقلقة تتعلق بالحرب البرية. والإجابة عن هذه الهواجس نجدها في ماهية ومواقف سياسة الأردن الرسمي في التعامل مع الأزمة السورية، والذي طالما آمن بالحل السياسي لها، بعيدا عن الحروب المباشرة التي يدرك تبعاتها محليا.

ومن ثم، فإنه رغم عدم وجود موقف رسمي مباشر بشأن مخاوف التدخل البري، إلا أن الإجابة تكمن في الموقف الثابت للسياسة الأردنية من مختلف ملفات الإقليم المشتعلة. إذ ظل الأردن متمسكا بمبدأ واحد، هو الابتعاد عن الاشتباك البري المباشر، حتى في حربه التي يخوضها ضد “داعش”. وهذه التطمينات خرجت مباشرة وفي أكثر من لقاء، من جلالة الملك شخصيا.

بالنتيجة، فإن الأردن لن يدخل في حرب برية؛ اعتمادا على نهجه المطبق، وأيضا لأن المعطيات الواقعية في سورية تختلف يوميا، وبما يجعل الطرح السعودي أيضا غير واقعي، وغير قابل للتطبيق.

والإجابة تكمن أيضا في الموقف الأميركي من التدخل البري. إذ طالما أعلنت الإدارة الأميركية رفضها للفكرة، بما يعني عدم حدوثها، كون المسؤولين السعوديين أكدوا أن التدخل إن تم فسيكون بقيادة أميركية، والرد حول هذه النقطة يأتي من واشنطن بـ”لا” كبيرة.

من حق الأردني أن يقلق. وبعض من قلقه مبرر، كما أن بعضه الآخر ليس كذلك. وهو قلق يظهر نتيجة التحولات والتحالفات في المنطقة. وستبقى هذه المخاوف تتشعب، إلى أن يقرر العالم وضع حد لمعاناة السوريين.

Related posts

من يدفع فاتورة الحرب وكيف نتعامل مع آثار العدوان؟* حسين الرواشدة

توجهات إيجابية في ميدان الشراكة بين القطاعين العام والخاص* د. محمد أبو حمور

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟