الفاجعة السورية/ فهد الخيطان

عدت لنص تقرير المركز السوري لبحوث السياسات، الذي نشرت “الغد” تلخيصا وافيا له في عددها يوم أمس، ويرصد آثار الأزمة السورية خلال العام الماضي “2015”.

حالما تنتهي من مطالعة التقرير، تشعر وكأن أحدا ألقى بك في حفرة عميقة مليئة بالجثث المشوهة، ولن تخرج منها أبدا.

الكارثة ليست فيما حل بسورية، بل بمستقبل سوداوي ينتظر ملايين السوريين، حتى لو توقفت الحرب في اليوم التالي. ولا يجد المرء كلاما يعلق به على التحركات الدولية لوقف إطلاق النار في سورية، والمماحكات الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو، والرياض وطهران، سوى سؤال المجتمعين في ميونخ وجنيف: أي سلام واستقرار بعد كل هذا الخراب؟

لنتوقف أولا عند تجليات الكارثة الإنسانية في سورية؛ متوسط العمر المتوقع عند الولادة كان في العام 2010 بحدود 70 سنة، وفي العام 2015 تراجع إلى 55 سنة!

حوالي 12 % من السوريين إما فقدوا حياتهم، أو أنهم جرحى ومصابون. عدد اللاجئين يزيد على 3 ملايين شخص، وعدد النازحين داخل سورية أكثر من 6 ملايين. في العموم، عدد سكان سورية تراجع بنسبة 21 % مع نهاية العام الماضي.

القطاع الوحيد الذي شهد في السنة الأخيرة نمواً في سورية بنسبة بلغت 17 %، هو قطاع العنف، ويشمل “الانخراط المباشر في القتال، وممارسة أعمال غير مشروعة كالتهريب، الاحتكار، السرقة، الإتجار بالبشر، وتجارة الأسلحة”.

إنفاق الجماعات المسلحة والعصابات الإرهابية والإجرامية على السلاح فاق الـ6 مليارات دولار، فيما بلغ إنفاق الدولة ما يزيد على 14 مليار دولار. تجارة النفط المسروق تتجاوز 5 مليارات دولار. في العموم، تقدر الدراسة خسائر سورية الاقتصادية منذ بداية الأزمة وحتى نهاية العام الماضي بنحو 254 مليار دولار، بما يعادل 468 % من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في العام 2010 بالأسعار الثابتة.

52 % من السوريين عاطلون عن العمل، و85 % يعيشون في حالة فقر، و69 % منهم “غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية”.

الأسوأ من ذلك كله، ما يحصل في قطاع التعليم؛ أي مستقبل سورية وأي بلد في الدنيا. إذ يشير التقرير إلى أن نسبة غير الملتحقين بالتعليم تصل إلى 42 %. وقدرت الدراسة الخسارة في سنوات الدراسة بنحو 24 مليون سنة، وبكلفة تبلغ حوالي 16 مليار دولار.

وسبق لتقارير مشابهة أن رصدت حجم الدمار في الأبنية السكنية والمرافق العامة. الصور المنقولة من مدينة تاريخية وعالمية كحلب تفيد بأسى أن الهوية الفريدة لحاضرة البشرية تكاد تضيع إلى الأبد؛ آثارها وحاراتها التي تعود لآلاف السنين دمرت بالكامل.

بعد هذا كله، هل من قيمة للكلام عن وقف إطلاق النار، وعن مشاريع الحل السياسي؛ سورية المفيدة، وسورية الحيوية، ودويلة الأكراد، والسجالات السخيفة عن الانتقال السياسي، ومن يحكم سورية بعد بشار الأسد؟

يقال إن سورية التي عرفناها لن تعود كما كانت من قبل. هذا القول فيه تهوين من الفاجعة؛ السؤال الأهم: هل سنعرف سورية المستقبل؟

Related posts

رئيس حزبي لمجلس النواب العشرين*أ. د. ليث كمال نصراوين

من يدفع فاتورة الحرب وكيف نتعامل مع آثار العدوان؟* حسين الرواشدة

توجهات إيجابية في ميدان الشراكة بين القطاعين العام والخاص* د. محمد أبو حمور