غرقتُ في الأسابيع القليلة الماضية في بعض الروايات لأدباء من العراق وسورية، تتحدث جميعاً عن الوضع القائم والتوقعات المستقبلية. لكنّها جميعاً مغلّفة بحالة تشاؤم وحزن شديد، ومسكونة بهاجس القلق الكبير على المستقبل، فضلاً عن رائحة الدماء والجثث والفوضى وغياب العدالة التي تطفح من الواقع إلى صفحات تلك الروايات!
من تلك الروايات المثيرة والمهمة رواية “فرانكشتاين في بغداد” لأحمد السعداوي من العراق (وحصلت على جائزة “البوكر العربية” سابقاً، وسيقوم المؤلف في 20 الشهر الحالي بتوقيعها برعاية مؤسسة فريدريش إيبرت في عمان). وهي تتحدث عن الحالة الراهنة في العراق، وتعيد استنساخ أو إنتاج فكرة فرانكشتاين (الكائن المسخ الغريب الذي يقتات على الدماء)، لتطبيقها على الحالة الاجتماعية اليوم، بخاصة المليشيات المتقاتلة على الهوية، والتي تنمو وتترعرع في الفوضى وانعدام الأمن والإحباط.
ومن تلك الروايات، أيضا، رواية علي بدر “الكافرة”. وتتحدث عن قصة امرأة تعيش في ظروف اقتصادية واجتماعية قهرية، ويقوم زوجها ووالدها بتنفيد عمليتين انتحاريتين مع جماعة متشددة. وتتناول الحياة تحت ظل الجماعات المتطرفة، ثم الوصول إلى الهجرة بوصفها حلاً. لكن الرواية تتركنا مع أشباح الأوطان العالقة فينا، حتى في بلاد الهجرة الجميلة!
“الموت عمل شاق”، رواية جميلة لخالد خليفة الروائي السوري، الذي كتب سابقاً مديح الكراهية (التي تحدثت عن تجربة الصراع بين النظام والإخوان المسلمين في عقد الثمانينيات)، بينما في روايته الجديدة يتطرق إلى الحرب الداخلية في سورية، وتأثيراتها التي ليس من السهل رصدها سياسياً وإعلامياً واقتصادياً على الإنسان والثقافة والمجتمع والعلاقات بين البشر. وترصد العقل الباطن لأبطال الرواية، والتدمير الأخطر الذي حدث في المجتمع عبر العقود الماضية، وهو تدمير الأخلاق والمظلة القيمية.
الرواية التي ما أزال مشدوداً إليها، وأقرأ بها حالياً، وأصبحت تسكن تفكيري وهواجسي، هي للروائي والأديب الجزائري المعروف واسيني الأعرج، بعنوان “2084؛ حكاية العربي الأخير”. وسأعود إليها بالضرورة، في الأيام المقبلة عندما أنهيها، لكن بيت القصيد هنا فكرتها الرئيسة الرائعة المحبوكة. إذ إنّ بطل الرواية؛ آدم، هو عالم فيزياء نووية عربي في الولايات المتحدة الأميركية، محجوز في قلعة أميركية في صحراء الربع الخالي، في العام 2084، ويحمل الجنسية الأميركية. بينما تتحدث الرواية عن الشعوب والمجتمعات العربية في مرحلة ما بعد النفط، التي عادت إلى حالة القبائل البدائية، تتصارع فيما بينها على الطعام والماء، وتعاني التهميش والمجاعة والحروب. وهناك منظمة دولية معنية بالعرب اسمها “منظمة الدفاع عن حقوق الأجناس الآيلة للزوال”، وفي مقدمتهم العرب طبعاً!
الرواية تتحدث، عملياً، عن نبوءة مرعبة، من وحي التطورات الجارية في العالم العربي، وهي انقراض العرب سياسياً وحضارياً وثقافياً. وتستلهم مصطلحات ورموز من رواية جورج أورويل الشهيرة “1984”، باعتبار أنّه في العام 2084، سيكون قد مرّ على عنوان تاريخ رواية أورويل عن الأخ الأكبر مائة عام.
نزعة الخوف والقلق والتشاؤم من المستقبل ليست جديدة أو بدعة في الرواية العربية. لكنّ هناك “طفرة” كبيرة في إنتاج روايات وأعمال أدبية، كمّاً وكيفاً، بخاصة من الروائيين العراقيين والسوريين (قرأت عن رواية جديدة عنوانها “عطارد”، مرشحة للقائمة القصيرة للبوكر العربية، لروائي مصري، تتحدث عن المستقبل، فيها نزعة مشابهة لهذه النزعة العراقية-السورية! التي تعكس مزاجاً عاماً محبطاً مرعوباً من المستقبل).
الحلم بالربيع تحوّل إلى كابوسٍ حقيقي؟ وصرنا نشعر أنّه ليس مؤقتاً أو عابراً، ليستيقظ منه الإنسان فيقول: أستغفر الله العظيم من هذا الكابوس؛ فهناك ملايين يكتوون يومياً بهذه المحرقة، وأجيال كاملة تنضج أرواحها ووجداناتها على نارها تعدنا بما هو أسوأ.. أستغفرُ الله!