يدفع الأردن ثمنا كبيرا لتداعيات الأزمة السورية عليه؛ لاجئون بمئات الآلاف، وخسائر اقتصادية فادحة، وتهديد إرهابي لا ينقطع، ناهيك عن انفتاح الحدود من الجانب السوري لتجار المخدرات والسلاح.
لكن كل تلك التداعيات لم تكن محصلة للسياسة التي انتهجها الأردن في الأزمة، بل فوائض لصراع سوري داخلي لا شأن له فيه.
لم تكن هذه حال دول جوار أخرى تدخلت على نحو فاضح في الشأن السوري، ودفعت ثمنا باهظا من أمنها واستقرارها، ووجدت نفسها في أتون حرب داخلية كما لو أنها طرف مباشر فيها، وهي كذلك بالفعل.
مناسبة الحديث في هذا الشأن ما تردد مؤخرا عن خطط لتدخل بري واسع في سورية، ورد اسم الأردن بين الدول المرشحة للمشاركة فيه، ما دفع بساسة ونواب إلى التحذير من مغبة خطوة كهذه.
القلق من مجرد سماع مثل هذه الأخبار مفهوم؛ فوسط ويلات المنطقة وحروبها البشعة، يكافح الأردنيون من أجل أن تبقى مملكتهم بمنأى عن الكوارث وحفلات الموت المجاني في الشوارع، والتشرد في بقاع الدنيا.
لكن، وبعد خمس سنوات من الصمود في وجه إغراءات التدخل، صار لزاما علينا أن نثق بالحكمة الأردنية، ولا نتطير من تقارير عابرة أو تصريحات خارجية.
كم طالعنا من التقارير المماثلة عن تدخل أردني في سورية خلال السنوات الماضية؟ يتوتر الرأي العام ونخبه، ثم يخرج مسؤول، وفي أحيان كثيرة الملك عبدالله الثاني شخصيا، لينفي مثل هذه الأنباء، فتهدأ النفوس.
مرات عديدة تكرر الموقف. وفي بعض المناسبات، رسم من يسمون أنفسهم بالخبراء سيناريوهات وخططا قالوا إنها جاهزة لتدخل أردني وشيك في سورية، ثم أثبتت الأحداث أنها مجرد مخططات في رؤوس أصحابها، وفي أحسن الأحوال تمنيات لبعض الأطراف التي ترغب في توريط الأردن فيما لا دخل له فيه.
مبكرا حدد الأردن دوره في الأزمة السورية؛ العمل مع المجتمع الدولي من أجل حل سياسي ينهي الأزمة في سورية، وشراكة كاملة مع كل القوى الدولية الراغبة في محاربة الجماعات الإرهابية بوصفها تهديدا للأمن الوطني الأردني ولمستقبل المنطقة برمتها.
ومن هذا المنطلق، انخرط الأردن في تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة “داعش”، لا يتضمن خططا للتدخل البري. كما تعاون وبشكل وثيق مع روسيا للغرض نفسه.
وكل دور أو نشاط للأردن، سواء في جنوب سورية أو أبعد من ذلك، كان وما يزال يدور حول نفس الهدف المعلن؛ دحر الإرهابيين بعيدا عن حدوده، وتوفير مناطق آمنة للاجئين السوريين للتخفيف من تدفقهم عبر الحدود.
وتجربة السنوات الخمس الأخيرة من إدارة الأردن للأزمة السورية، تكفي في ظني لمغادرة حالة القلق كلما وردنا خبر من هنا أو هناك.
في مراحل سابقة من الأزمة السورية، كانت عروض التدخل المقدمة للأردن مغرية؛ فمسرح الأحداث لم يكن بالتعقيد الذي هو عليه حاليا. ومع ذلك، تجاهل الأردن الخيار تماما، وتحلى بحكمة يحسده عليها كثيرون. فمن يصدق أن الأردن وبعد التدخل الروسي المباشر في سورية، وميل واشنطن إلى تسوية تاريخية للأزمة، واندحار المعارضة المعتدلة لصالح الجماعات الإرهابية، يمكن أن يقدم على مغامرة مجنونة كمغامرة التدخل البري؟!