لم ينف مسؤولا في وزارة الخارجية الأميركية أبداً صحّة التصريحات المنسوبة للوزير جون كيري، بقدر ما قال إنّها لم تكن للنشر!
إذن، ذلك إقرار، ضمني، بصحّة تلك التصريحات الخطيرة، التي كان قد أدلى بها الوزير لعدد من النشطاء السوريين، على هامش مؤتمر لندن الأخير لمساندة اللاجئين السوريين، إذ قال لهم إنّ “المعارضة السورية ستسحق خلال ثلاثة أشهر”. وأضاف: “علينا توقّع ثلاثة أشهر من الجحيم”. لكنّ كيري قال للحاضرين السوريين “لا تلوموني، لوموا المعارضة التي لم ترغب في التفاوض، ولا في وقف إطلاق النار، وأدارت ظهرها وانسحبت”!
وتساءل كيري، وفقاً للمصادر التي نقلت ذلك النقاش “ماذا تريدون منّي أن أفعل؟! أن أخوض حرباً مع روسيا؟! هل ذلك ما تريدونه؟!”.
كلام خطير، مخجل. لكنّه يستحق الشكر فعلاً! لأنّه تحدث بصراحة وسفور كاملين عن المواقف الأميركية الحقيقية، التي كانت لا تحتاج إلاّ إلى تصريحات مثل هذه قاطعة، حاسمة، تماماً، لا تقبل التأويل أو التفسير. بالرغم من أنّ من يعود إلى التسريبات السابقة لحواره -أي جون كيري- مع قادة المعارضة، سيكتشف أنّ ما يتم اليوم هو تنفيد عملي لتحذيره للمعارضة من عدم القبول بـ”البضاعة المعروضة” عليهم.
وبالرغم من أنّ المعارضة قرّرت الذهاب إلى جنيف بمباركة سعودية، في محاولة للإمساك بالعصا من المنتصف، لكن ذلك لم يرض كيري والأميركيين، الذين كانوا يريدون تغييراً جوهرياً في موقف المعارضة، وقبول بقاء الأسد في المدة الانتقالية، مع عدم وجود ضمانات لمغادرته بعد ذلك، وبتسويات تعني، عملياً، انتصارا واضحا صريحا للمعسكر الروسي-الإيراني.
اليوم، انكشفت “لعبة الأمم” في سورية، والشعب يقاتل أو يُقتل وحيداً، ويعذّب ويشرّد، ويتم قصف حلب بقنابل “غبية”، كما يصفها الأميركيون. وهناك قرار روسي-إيراني بإنهاء الأوضاع في الشمال، والانتقال غداً إلى الغرب، وبعد غدٍ إلى الجنوب، بمعرفة، بل وموافقة ضمنية، أميركية على ذلك “الجحيم” المتوقع، كما وصفه وزير الخارجية الأميركي نفسه!
هذا السيناريو لم يعدّ سرّاً. فكيف، إذن، يمكن أن نفسّر الحديث السعودي-الخليجي عن نشر قوات عربية لقتال “داعش” في المناطق الشمالية، وتأييد أميركا للمبدأ، وتحذير الإيرانيين علناً من حرب إقليمية؟! ألا تعرف الرياض حقيقة الموقف الأميركي، وعدم وجود ضمانات؛ إذا ما نزلت قوات عربية-إسلامية (سُنّية)، من تعرّضها لـ”فخّ” كبير، باستهدافها عبر القوات الإيرانية و”داعش” والطيران الروسي، في الوقت نفسه! أم أنّ هناك سيناريو غير معلن روسي-أميركي بإنهاء “داعش” وتسليم المناطق التي يسيطر عليها التنظيم إلى تلك القوات العربية التي ستسلمها إلى قوات المعارضة؟ وكيف يمكن أن نفهم هذا السيناريو غير المنطقي، أبداً، في ضوء حديث كيري عن إنهاء المعارضة السورية خلال ثلاثة أشهر؟!
ما هو الجحيم؟! باختصار، وبكلمة واحدة، الإبادة الكاملة، التطهير العرقي والطائفي، وحرب “الأرض المحروقة”، واقتلاع السكان لاحتلال الجغرافيا. لا يوجد أي تفسير آخر، وإذا كان لديك عزيزي القارئ أو السياسي تحليلاً آخر، فلا تبخل علينا به!
ما أزال مقتنعاً بأنّ السعودية لن تتورّط مع دول عربية في حرب مجهولة الأهداف والنتائج في سورية. وإذا كان هناك نوايا لديها (كما ذكر نوّاف العبيد، الكاتب السعودي المتحمس لحرب تخوضها على جبهتين؛ سورية واليمن) للوقوف في وجه ما يسمى بـ”المشروع الفارسي”، فليس مطلوباً منها إرسال قوات، بل تغيير استراتيجيات، قبل أن ينقرض الشعب السوري كاملاً، خلال الأشهر المقبلة، فنجد أنفسنا أمام ملايين أخرى على حدود الأردن وتركيا، أو نرى استسلاما كاملا من قبل المعارضة!