تجاهلت وسائل الإعلام السعودية التسريبات الأخيرة لشبكة “سي. إن. إن” الإخبارية الأميركية، والتي نقلت عن مصادر سعودية استعداد الرياض لإرسال 150 ألف جندي إلى سورية، بالتعاون مع تركيا ودول عربية أخرى.
“الخبر” أصبح بمثابة “لغز” حقيقي؛ فثمّة من يراه أقرب إلى “تكتيك” دبلوماسي وسياسي، لا يمكن أن يحدث على أرض الواقع، نظراً لتعقيدات المشهد السوري، وتعدد قائمة أعداء السعودية هناك؛ “داعش” والإيرانيون والروس، ما يفتح الباب على “حرب إقليمية” حقيقية.
ولعل التصريحات المنسوبة إلى المسؤولين العسكريين الإيرانيين تكشف حجم الانزعاج من هذه المعلومات. فنائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني وصف المعلومات بأنّها “أشبه بالمزحة السياسية”، فيما رفع قائد الحرس الثوري من حجم التحدي والاتهام محذراً السعودية من أنّ مثل هذه الخطوة ستكون بمثابة “انتحار لنظام الرياض”.
على الطرف الآخر، يرى فريق من المحللين والسياسيين أنّ الحديث عن القوات السعودية والعربية والتركية أمر جاد وسيناريو متوقع، بل جرى التمهيد له سابقاً عبر تصريحات أميركية قبل أشهر، تتحدث عن أنّ القضاء على “داعش” عسكرياً في العراق وسورية يتطلب قوات عربية وسنية، بحجم كبير، في الوقت الذي تؤكد فيه مصادر مطلعة على التفكير الأميركي، بأن التوقعات والاستعدادات العسكرية لديهم تحدد العام الحالي لوضع حد لإمارة “داعش” والقضاء على التنظيم عسكرياً.
هذا السيناريو يعني أن الدول العربية وتركيا لا تتصرف بعيداً عن التنسيق مع واشنطن، بل ضمن مسار استراتيجي توافقي لمواجهة تنظيم “داعش”. لكن مثل هذه الخطوة عسكرياً لا تتم بمعزل عن وجود قوات “شيعية” مؤيدة لإيران، من مناطق عديدة في العالم، ولا عن التدخل العسكري الروسي. وسيعتبر هذا المحور (أي الروسي-الإيراني) أنّه هو المستهدف بوجود هذه الحجم الكبير من القوات، ولن يسمح بذلك.
ذلك يجعل سورية، بالفعل، كما هدّد قائد الحرس الثوري الإيراني، ساحة حرب إقليمية مباشرة، وليس فقط بالوكالة. وهو أمر لا أعتقد أنّ الولايات المتحدة ترحّب به وتسعى إليه، ولا يوجد ما يدفع إلى هذا الاعتقاد؛ فلو كانت إدارة أوباما تريد توريط الروس في سورية وقلبها إلى “مستنقع أفغاني”، فلن تحتاج إلاّ إلى إدخال شحنات من الأسلحة النوعية للثوّار المعارضين لداعش.
بالطبع، لا يمكن أن نأخذ التسريبات والحديث عن قوات سعودية-تركية-عربية، ضمن التحالف السني العالمي، على محمل “المزحة السياسية”، ربما تكون أشبه بورقة سياسية أو تكتيكية. لكن التعقيدات الواقعية في سورية، بالتزامن مع التدخل السعودي في اليمن، والفجوة بين المصالح الإقليمية، يجعل من الخيار العسكري البري سيناريو مستبعداً ضمن المعطيات الحالية.
حتى لو افترضنا دخول قوات التحالف العربي إلى صنعاء في آذار (مارس) أو نيسان (أبريل) المقبل، كما يجري التحضير له، فإنّ ذلك لا يعني أبداً نهاية الحرب اليمنية. فالحوثيون مغروسون في اليمن الشمالي، ولهم تحالفات وثيقة مع الحرس الجمهوري الموالي لعلي عبدالله صالح. وكما قال أحد السياسيين اليمنيين المخضرمين، بأنّ “دخول صنعاء ليس نهاية الحرب بل بدايتها”، وأسوأ من ذلك أنّ “القاعدة” اليوم باتت تسيطر على أجزاء واسعة من اليمن الجنوبي، الذي حررته قوات التحالف من الحوثيين!
الحالة في العراق تكشف هي الأخرى حجم التناقضات؛ فالخيار السني أصبح بين “داعش” المتطرف الدموي، وبين تطهير طائفي أبلى وأمرّ.
إذا افترضنا أن القوات العربية ستقاتل “داعش” لطرده والتواجد في تلك المناطق، فهل ستسمح روسيا بذلك؟ هذا كله إذا افترضنا، خطأ، أن القضاء على “داعش” سيكون بمثابة “قطعة حلوى”، فمعركته هناك معركة وجود؛ حياة أو موت!