ثورة ديمغرافية في الأردن/ فهد الخيطان

أي نسبة نمو اقتصادي يمكن لها أن تحيط بهذا المعدل المهول من النمو السكاني في الأردن؟ خلال عقد من الزمن، تضاعف عدد سكان العاصمة عمان، وزاد عدد سكان محافظة صغيرة كالمفرق بنسبة تزيد عن 60 %.

لم تكن تقديرات الجهات المسؤولة عن عدد اللاجئين في الأردن تجانب الصواب. نتائج التعداد السكاني التي أعلنت دائرة الإحصاءات أول من أمس تفاصيلها، أظهرت أن النسبة تقارب الـ30 % من سكان المملكة، غالبيتهم من السوريين.

عدد اللاجئين السوريين بات يفوق عدد سكان أربع محافظات مجتمعة. نحن إذن أمام تحد ديمغرافي كبير لم تواجهه دولة من قبل.

صحيح أن للأردن خبرة طويلة مع الهجرات القسرية، ونجح على مدار التاريخ في هضم المهاجرين واستيعاب المتغيرات السكانية الناجمة عنها. لكن الظروف تغيرت؛ فلا الموارد الاقتصادية متاحة مثلما كانت من قبل، ولا احتياجات الناس بسيطة ومتواضعة مثلما الحال في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

في ضوء الأرقام المعلنة، يحتاج الأردن حاليا إلى موازنة ضعف موازنته على الأقل، وتحتاج أمانة عمان لمخصصات تزيد بنسبة 50 % عما هو متوفر لها اليوم. كيف نخطط لقطاعات المياه والطاقة، والتعليم والصحة؟ كم مدرسة جديدة يتطلب تشييدها لاستيعاب الزيادة الكبيرة في أعداد الطلبة؟ وكم من رجال الأمن، وغيرهم من قطاعات الخدمات، يتطلب حشدهم للوفاء بالالتزامات تجاه الجمهور؟

ومن قال إن العداد وقف عند هذا الحد؟ الأزمة في سورية مستمرة لأجل غير معروف، وكل يوم يدخل المملكة ما لا يقل عن 100 لاجىء جديد. العراق لم يستقر بعد، ومعرض للانتكاسة في أي لحظة، وليس مستبعدا أن نواجه حالات انهيار مماثلة؛ فبيننا اليوم أشقاء من ليبيا واليمن، وبالأمس القريب كنا في سجال حول ترحيل مئات السودانيين.

أوروبا “كربجت” عند أقل من هذا، وها هي دولها التي كانت على الدوام ملاذا محببا للاجئين تهدد بطرد عشرات الآلاف منهم من دون أن يرف لها جفن. لو فعلها الأردن، لربما تعرض لعقوبات اقتصادية وحملة تشهير دبلوماسية. وهو لن يفعلها بالطبع؛ فهل يعقل أن ترسل الأبرياء إلى المحرقة في سورية؟

لكن أيا تكن معاناتنا، فإننا اليوم لا نملك ترف الشكوى. ثمة حاجة ماسة للتفكير بطريقة مختلفة، وقراءة نتائج التعداد السكاني بتمعن، والعمل منذ الآن لوضع استراتيجيات للمستقبل لاحتواء التداعيات المترتبة على الثورة الديمغرافية التي تشهدها المملكة، ووضع الخطط الاحترازية الممكنة لتجنب المشكلات الاجتماعية الناجمة عن صعوبات الاندماج، والتنافس على فرص العمل الشحيحة في السوق، وتوفير المساكن التي تتناسب مع المداخيل، والخدمات الصحية والتعليمية الكافية لرعاية الجميع.

شئنا أم أبينا، هناك مجتمع جديد في طور التشكل في الأردن، لا يمكن إدارته بالإنكار، بل بمواجهة الحقائق والتعامل معها باقتدار. وأعتقد أن نتائج التعداد باتت تفرض على الدولة تغييرات جوهرية في هيكلية الإدارة الأردنية، لمجاراة المستجدات الديمغرافية، والاستجابة للتحديات.

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير